كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال الزيارة الرسمية لنيوزيلندا – 28 تشرين الثاني 2016
العودة إلى فيديو" بسم الله الرحمن الرحيم،
فخامة السيدة الحاكم العام،
الأصدقاء الأعزاء،
نيابة عن نفسي وعن وفدنا، فإنه لمن دواعي سرورنا أن نكون هنا اليوم في بلدكم الرائع. ونيابة عنا جميعا، أود أن أستغل هذه الفرصة لأتقدم بالشكر للشعب النيوزيلاندي على حفاوة الترحيب، وعلى اللطف الذي أظهروه لنا منذ وصولنا هنا.
ونقدر عاليا هذا الترحيب، خصوصا وأن بلدكم ما زال يتعامل مع آثار الزلازل التي ضربت بلدكم مؤخرا. ونحن معجبون حقا بالطريقة التي يواجه شعبكم بها مثل هذه التحديات.
إن النيوزيلنديين قد وضعوا بلدهم في قلب العالم. فهذا البلد يعتبر نموذجا للمجتمعات متعددة الثقافات، كما كان لمشاركة نيوزيلندا في الشؤون الدولية إسهامات تاريخية في جميع أنحاء العالم.
ربما يعرف البعض منكم أن الأردن في هذا العام يحيي الذكرى المئوية للثورة العربية الكبرى، التي مثلت مصدر إلهام للعرب في سعيهم نحو تقرير المصير، وفي تلك اللحظة التاريخية، وجد شعبنا شريكا في جنود جاؤوا من بعيد، من النصف الآخر للعالم تحديدا.
أصدقائي الأعزاء،
إن شراكتنا لم تكن أكثر أهمية مما هي عليه اليوم، كما أن بلدينا الآمنان والمستقران ينعمان بالازدهار بفضل نظام عالمي يربطنا عبر قيم التعاون والاعتدال والتسامح. وفي الوقت ذاته، فإن عالمنا يواجه خطرا غاشما من المتطرفين الذين يسعون إلى تدمير القيم التي تربط الإنسانية.
داعش، الشباب، بوكوحرام، أبوسياف، أياً كانت أسماؤهم، فالتهديد هو نفسه. فهؤلاء الخوارج يسعون إلى عالم ممزق يسوده الصراع، ويكون فيه المسلمون وغير المسلمين على طرفي نقيض، تملؤهم مشاعر الريبة والخوف من بعضهم البعض.
هذا هو التحدي الجوهري الذي يواجهنا، إنه تحد خطير وجدي، وقد أصبح تحديا عالميا وطويل الأمد.
وفي الحقيقة، فإن تحقيق السلام، والأمن والازدهار يتطلب النظر بأهمية لكل منطقة وإقليم في العالم، فلا يمكننا أن نتجاهل الأحداث في إفريقيا أو جنوب شرق أوروبا أو أي مكان آخر، لمجرد أن هذه المناطق تبدو بعيدة، فالنصر لن يتحقق إلا بالجهد الجماعي والشامل.
إننا نرى ذلك أيضا في الأزمة العالمية للاجئين. فمنذ عام 2011، عبر ما يقارب 5ر2مليون لاجىء سوري إلى الأردن، بقي نصفهم تقريبا في المملكة، وهؤلاء هم أحدث موجة من ملايين اللاجئين الذين قصدوا الأردن في العقود الأخيرة بحثا عن ملاذ آمن.
لذلك، فإن تحدياتنا مشتركة وكذلك هي الفرص أيضاً. ومن أجل اغتنام تلك الفرص يمكن، بل يجب أن نعمل سويا، ليس فقط في مجال تعزيز الأمن وتطبيق القانون، لكن من خلال الحلول الدبلوماسية الفعالة، وجهود حفظ السلام، والتنمية الشاملة، وغيرها الكثير من المجالات.
أصدقائي،
لقد صدمتُ، خلال السنوات الأخيرة الماضية، من عدد قادة الرأي العام العالمي الذين ما زالوا لا يفهمون الإسلام، الدين الذي يؤمن به ويتبعه ما يقارب ملياري شخص من الرجال والنساء المسالمين والفاعلين في جميع أنحاء العالم.
لقد حان الوقت لإنهاء هذه الانطباعات الخاطئة. فالمسلمون، كما هم المسيحيون واليهود وغيرهم، تلزمهم دياناتهم بأهم القيم الدينية والأخلاقية: وهي حب الله وحب الجار. إن ديننا يعلمنا أن كل البشر متساوون في الكرامة. هذه هي القيم التي أعلّمّها لأبنائي وهي نفس القيم التي تعلمتها، وهي نفس القيم التي يزرعها المسلمون في بيوتهم في الأردن وهنا في نيوزيلندا وفي جميع أرجاء العالم.
واليوم، فإن قيم وتضحيات شعبكم، التي يزخر بها تاريخكم المشرف، مشهود لها في جميع أنحاء العالم. وإنكم تجسدون المعنى الحقيقي للمواطنة العالمية الصالحة من خلال احترام الجميع، والتواصل الإنساني، والمشاركة الاقتصادية، والعمل من أجل السلام.
ونحن في الأردن نشارككم هذه المساعي، ويمكنكم الاعتماد على الأردنيين كشركاء وأصدقاء حقيقيين. ودعونا نعمل معا لتحديد شكل المستقبل الذي يتوقعه ويستحقه شعبانا.
شكرا لكم".