خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال المأدبة الرئاسية في تشيلي
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيسة باشيليه،
اسمحوا لي أن أبدأ حديثي بالإعراب عن الشكر لفخامتكم، لحفاوة الترحيب بهذه الزيارة التي ستظل محفورة في الذاكرة. لقد كنا، الملكة رانيا وأنا، نتطلع بشوق لأن نكون معكم هنا اليوم. وتشيلي هي أول محطة لنا في جولتنا الأولى إلى أمريكا الجنوبية. ولا أظن أن هناك مكاناً أفضل من بلادكم، ولا شعباً أروع من شعبكم، لنتعرّف عبرهما إلى مستقبل منطقتكم.
أصدقائي،
أريدكم أن تعلموا أن هذه الرحلة تتم، من جانبنا، لأن نفوسنا اختزنت على مدى السنين، الكثير من مشاعر الاهتمام والإعجاب لما أنجزته بلادكم، وكيف تسيرُ قُدُماً اليوم. ولتشيلي لدى الأردنيين، مثل ما لها لدى الكثيرين في أرجاء العالم، حضور عالمي كبير كرائدة للتغيير.
لقد رأيناكم تتسلمون زمام القيادة في منطقتكم . كما أبهرنا التحوّل السياسي الذي وحّد ما بين التشيليين، مخلّفين الماضي وراءهم. وتعلمنا دروساً من النجاح الاقتصادي الذي حققتموه... بهدفه المزدوج في إحداث النمو والاحتواء الاقتصادي.
وقد بينتم للعالم كيف تكون المثابرة أيضاً - بالعمل الجبّار الذي قمتم به في التصدّي للتحدّيات الوطنية... سواءً أكانت كوارث طبيعية مثل الأمطار الغزيرة التي هطلت بكثافة في الجنوب في آب (أغسطس) الماضي... أو صدمات عالمية مثل الارتفاع الأخير في أسعار الطاقة والغذاء، أو الأزمة المالية التي انطلقت شرارتها من الولايات المتحدة الأمريكية.
إن تجربتكم ذات مغزى خاص بالنسبة للأردن. فنحن أيضاً نسيرُ على مسار التقدّم، من أجل تحقيق الحاكمية الرشيدة وتعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتنمية النمو الاقتصادي الذي يولّد الفرص ويهيّئ لمستقبل واعد، لجيل الشباب لدينا خاصة؛ ومن أجل التنمية التي تُحْدِث فرقاً في حياة الناس من التعليم إلى الرعاية الصحية وغيرهما الكثير.
وقد التزمنا نحن أيضاً، مثلما التزمت تشيلي، باتخاذ القرارات الصعبة ومواجهة التحدّيات، والمثابرة. وفي وطننا، ونحن نتابع الانطلاق قُدُماً في مسيرة الإصلاح. وفي منطقتنا، راهنّا على مستقبلٍ يَعُمُّ فيه السلام والاعتدال. وعلى المستوى العالمي، تواصلنا عبر المحيطات مع الأصدقاء والشركاء، لبناء مستقبل تتوافر فيه الفرص والازدهار لجميع الأطراف.
وهذا الالتزام العميق هو الذي جاء بوفدنا إليكم اليوم.
وكما تعلمون، فخامة الرئيسة، فإن العولمة لا تمكّن الدول النامية إلا بقدر ما تقوم به من دور نَشِطٍ فعّال، لذا فعلينا المشاركة. ولن يتسنّى لنا المشاركة في النظام الاقتصادي العالمي بفاعلية إلا عندما نساعد في تشكيله.
وهذا يتطلب تعاوناً بين الجنوب والجنوب، على جميع المستويات، في المنتديات الثنائية والمنتديات المتعددة الأطراف. وفي الروابط الاقتصادية بين القطاع الخاص في بلدينا. وفي العلاقات الثقافية، لزيادة التفاهم ومحاربة من يرغب في رؤيتنا مُقَسّمين لا حيلةَ لنا.
إن هناك إمكانيات هائلة لزيادة التعاون بيننا. وهنا اسمحوا لي أن أؤكد أن اتفاقية ميركوسور هي خطوة إيجابية أولى لتحقيق هذا الهدف.
وهناك مجال هام آخر يكمن في الحوار، خاصة عندما يتم إشراك جيل الشباب فيه. وأنا فخور بأن الأردن كان مُنْطلق رسالة عمّان التي عبّرت عن قيم الإسلام الحقيقية للمسلمين وغير المسلمين في أرجاء العالم. وهذا العمل مستمر، ويجب أن يستمر، ما دامت التشويهات وعوامل الفرقة بين الأديان تهدّد عالمنا.
الرئيسة باشيليه،
لقد كنت صوتاً عظيماً مدافعا عن الإنسانية، ورمزاً للمصالحة والأمل. وآمل أن نتمكن من العمل معاً لتقوية الجسور بين الشعوب في أنحاء العالم.
إن السلام يكمن في الأساس الذي سيُبْنى عليه المستقبل الإيجابي للعالم. وفي منطقتي، ما زال النزاع العربي - الإسرائيلي يشكل تهديداً مركزياً - لا للعرب والإسرائيليين فحسب، بل وللتعايش والأمن في أرجاء العالم أيضاً.
أصدقائي،
هنا أيضاً، من الأهمية بمكان أن نتشارك من أجل التغيير. وأنا أعلم أن الجالية الفلسطينية في تشيلي عملت بنشاط من أجل العدالة والسلام. وأعلم أنه كان لتشيلي مشاركة حيوية فاعلة مع طرفي النزاع. وقد حان الوقت الآن لمساعدة الطرفين على التوصل إلى المستقبل الذي يرغبان في الوصول إليه وقوامه تسوية تقوم على وجود دولتين، ونهاية للنزاع مع تحقيق الأمن للإسرائيليين، والعدالة للفلسطينيين في دولة فلسطينية قابلة للحياة، مستقلة وذات سيادة.
أصدقائي،
في إحدى قصائده العظيمة تحدّى الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، الحائز على جائزة نوبل، الأسوار والجدران التي تضيّق عالمنا. وتساءل: (إننا نرث القيود. ولم هذا؟)
وعلينا أيضاً أن نسأل: لِمَ نقيد آفاق مستقبلنا؟ ولِمَ لا نتجاوزها؟ ولِمَ لا نفتح أبواب الإنسانية لكل ما هو مشترك بيننا ولكل ما نستطيع إنجازه؟
ومرةً ثانية، وبالنيابة عن جميع أعضاء الوفد الأردني، نعبر لكم، (الملكة رانيا وأنا) عن شكرنا على ترحيبكم الرائع.