خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
سيدنا محمد النبي العربي الأمين،
أبدأ حديثي بشكر صاحب السمو الشيخ الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح على دعوته الأخوية لحضور هذا المؤتمر المتميز، كما أتوجه بتحية التقدير لكل الرؤساء وقادة الأعمال والاقتصاد الذين يساهمون في إثراء هذا المنتدى بحضورهم الكريم ومشاركاتهم القيمة.
كما أوجه الشكر لجميع القائمين على المنتدى الاقتصادي الإسلامي لما يمثله من مسعى طيب لطرح الرؤى وإيجاد الحلول لقضايا اقتصادية مصيرية تمس حياة مجتمعاتنا الإسلامية.
واسمحوا لي أن أتحدث باللغة الإنجليزية تسهيلاً على الضيوف الحاضرين من غير الناطقين باللغة العربية.
صاحب السمو، الصديق العزيز، أنا واثق بأن الفرصة متاحة لي للتعبير عن أعمق مشاعر التقدير لكم، ولشعب الكويت، على ضيافتكم الرائعة وترحيبكم الحار.
إن هذا التجمع الكريم هو أول اجتماع للمنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي يُعقد في الشرق الأوسط. ويشرفني أن أُشارك في هذا الحدث، وأن أكون معكم جميعاً هنا اليوم.
أصدقائي،
إن ما نشهده اليوم ليس اجتماعاً دولياً عادياً. فما تنجزونه هنا، والجهد الذي ستواصلونه، سيكون لهما الأثر الأهم فيما تنشده بلادنا من أهداف؛ أهمها:
- تحديد قدرة بلداننا على تحقيق أهدافها الاقتصادية: في التنمية، والنمو، وتوفير الفرص، خاصة لجيل الشباب، وإذا توفرت هذه القدرة، فمتى ستتحقق الأهداف؟
- تحديد إذا ما كانت بلداننا، مجتمعةً، قادرة على إيجاد الفرص الاقتصادية التي نحتاجها لإدامة معيشة شعوبنا، ومواجهة الصدمات المالية والنفطية العالمية، وتحديات أخرى.
- تحديد إذا ما كان المسلمون، لا في البلدان الإسلامية فحسب، بل في جميع أرجاء العالم أيضاً، سيحصّلون وعود القرن الحادي والعشرين الاقتصادية، بكل ما يحمله من بشائر.
والنظر فيما إذا كانت مجتمعاتنا قادرة على تبوء المكانة التي تستحقها في الاقتصاد العالمي، ولا أقصد هنا مجرد المشاركة في الازدهار، بل المساهمة في وضع قواعد اقتصادية، تعلي صوت قيم الإسلام في التعايش، والعدالة، والحياة الأفضل للجميع.
إن هذا المنتدى يجمع قادة من مختلف أطياف المجتمع الإسلامي، للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها المزيد. ومثل هذا التجمع يعترف بالدور الكبير الذي تقوم به التحالفات الاقتصادية في منطقتنا. فعبر العالم كله، تعمل التجمعات والشراكات الإقليمية، وتلك التي تتجاوز الحدود الوطنية والجغرافية، على توفير منابر للنجاح الاقتصادي. وبالعمل معاً، يمكن للدول الأعضاء أن تقوم برفع وتيرة الازدهار، كل في داخل مجموعتها، والتنافس بفعالية أكبر على مستوى العالم.
ونحن ممتنون للجهود الكثيرة التي تبذلها منظمة المؤتمر الإسلامي في قيادتها لانطلاقة التعاون الاقتصادي والتنموي. فقد تمكنت بلداننا من تحقيق معالم بارزة على طريق التقدم. إذ ازدادت معدلات التجارة بين اقتصاداتنا، وشهدت معظمها ارتفاعاً في نسب الناتج المحلي الإجمالي يزيد بصورة ملحوظة على المعدل العالمي.
ومع ذلك، فكلنا يعرف الحقيقة والواقع: فالإمكانات الكامنة في بلداننا، والتي لم تُستغَل بعد ما زالت كبيرة جداً. فالدول السبعة والخمسون الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي لديها ناتج محلي إجمالي لا يزيد على ربع الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا؛ بل لا يزيد على الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا وحدها. وحصتنا من التجارة العالمية ما زالت بسيطة؛ وهو أمر لا يمكن قبوله على الإطلاق. وما زالت التنمية غير منجزة، والتحديات أمامنا في اطراد مستمر.
أصدقائي،
إن لدينا جميع الأصول والموجودات التي نحتاجها ليتغير هذا الواقع. فمواردنا مجتمعةً، وموقعنا الجغرافي الاقتصادي يجعلان العالم الإسلامي مفتاح كل قضية اقتصادية رئيسية في أيامنا؛ من إيجاد اقتصاد عالمي رفيق بالبيئة، إلى ضمان إدامة توفير الطاقة، وغير ذلك الكثير.
وإن مجموع السكان المسلمين في العالم يشكل خُمس الإنسانية تقريباً، وهم في معظمهم من جيل الشباب، ما يمنحنا قوة بشرية ترفع من الإنتاجية و تدفع نمو الأسواق.
ولأن مساحة البلدان الإسلامية تشغل ربع العالم، فإن هذه البلدان تشكل قنوات لكل زاوية من زوايا الأسواق العالمية.
كما أننا نستند إلى تاريخ إسلامي عريق في مجالي ممارسة الأعمال بحرية وجرأة، والإقبال على التعلم من خبرات وتجارب الآخرين، ووحدتنا في الإسلام، بالإضافة إلى قيمه العظيمة، وغاياته النبيلة، تمكننا وتقوي عزائمنا في هذا المضمار.
لقد حان الوقت الآن، لنعمل معاً، ولتوجيه ما لدينا من أصول وموجودات وتنظيمها. وليس هناك مَن يتقدم في الأهمية على شعوبنا. ففي بلداننا نجد أحد أكبر التجمعات الشبابية في العالم. الذين يمتلئ وجدانهم بالأفكار، وتضج أجسامهم بالطاقة والحيوية. ومع ذلك نعاني من نقص دائم في العمالة الماهرة. ففي العالم العربي وحده، يغادر كل عام 70.000 شاب من خريجي الجامعات بلادهم وهذا الرقم يشكل حوالي ربع خريجينا.
ونصف من يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلادهم. فلا يقتصر الأمر على خسارتنا لما يتمتعون به من خبرات تشكل مفتاحاً لمستقبل الأعمال، والعلوم، والتعليم، وأولويات محلية أخرى، بل يتجاوز ذلك إلى خسارتنا ما يتميزون به من معرفة تخص بيئتهم المحلية، وهذه المعرفة تشكل مَعيناً لفهم الواقع الثقافي والوطني، ونحن بحاجة إليها للمضي في مسيرة التنمية وفق حاجات شعوبنا، ولضمان نجاح هذه المسيرة علينا أن نضع حداً لدائرة الهجرة هذه.
لقد اتخذت غالبية بلداننا خطوات جريئة للعمل على تقدم النمو ذي التوجه التجاري الذي ينهض به القطاع الخاص، وعلى تقدم الوظائف ومظاهر التنمية التي يولدها هذا النوع من النمو. ولكن حتى نتمكن من تحقيق أهدافنا - وحتى نستطيع بصدق مساعدة شعوبنا على تحقيق تطلعاتها - علينا أن نقوم بالمزيد أيضاً لإطلاق طاقات وإمكانات الفئات المبدعة لدينا.
وهذا يعني إعادة العمل بتقاليد رعاية الإبداع في العالم الإسلامي. فعلى حكوماتنا، وشركاتنا، وقادة التنمية في بلداننا أن يدعموا الإبداع، وفق ذات النهج المتبع لدعم البُنى التحتية وجذب الاستثمار.
وعلى الجميع أن يشاركوا. فنحن بحاجة إلى تحالفات قوية شاملة، قادرة على تأمين ما يضمن لها النجاح من موارد وخبرات موجودة لدى الحكومات، ومنشآت الأعمال، ومؤسسات التعليم، ووسائل الإعلام، وقطاعات رئيسية أخرى.
وفي الأردن، تلاقت نخبة من المَعنيين بالتنمية - من خبرات وطنية وعالمية - على العمل معاً لإيجاد مبادرة رئيسية حول الإبداع في التعليم، والعمل على دفعها إلى حيز التنفيذ. وخلال أربع سنوات، كان العائد على هذا الاستثمار مُلفتاً للنظر. فقد جرى تسريع انتشار التقنيات الجديدة، وتوسيع المهارات التدريسية، فاكتسبَ الطلاب معرفة على مستوى عالمي يمكنهم من المنافسة. وتبين لنا أن لهذا التجمع الراعي للمواهب مزايا قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد تعزز مجتمع الأعمال في الأردن. فهناك مزايا فورية للشركات المساهمة، أهمها اكتساب شهرة محلية في مجال القيادة، و نقل المعرفة مع نظرائها الدوليين.
ومع تكرار هذه التجربة في دول أخرى، فإن المجتمع الإسلامي في العالم سيرى مردوداً أكبر على الاستثمار. وهذا درس في قيمة الشراكة، فيما بين بلداننا، وما بين شركاتنا. كما أن هناك مجالات عديدة أخرى يمكن فيها لشراكاتنا أن تضاعف من التأثير المطلوب إحداثه لدينا، خاصة في مجالات الطاقة المستدامة، وإدارة موارد المياه، والتكنولوجيا الحيوية. وأنا واثق بأن المشاركين في هذا المنتدى، وبخبراتهم، قادرون على تحديد المزيد من المجالات.
أصدقائي،
في هذه المجالات، وفي غيرها، نعمل من أجل إيجاد فرص لتجمعاتنا السكانية المتنامية، وسنبرهن لجيل الشباب ما الذي يمكن تحقيقه من خلال المعرفة، والمبادرة، والتعايش. وليس هناك ما هو أهم من هذه القضايا لمستقبلنا. ويمكننا أن نبدأ، ولا بد أن نبدأ؛ لا لمجرد اللحاق بالبلدان الأخرى، بل لضبط إيقاع مسيرة جميع بلداننا.
فقبل قرون عدة، كان للتجربة الإسلامية في مجال الأعمال دورها في النهوض بالتجارة إلى نطاق عالمي. وبرز مفكرون مسلمون رواد في علم الاقتصاد. ونحن نعرف كيف نحقق النجاح. فالتراث والوعد مجتمعان هنا في هذه القاعة، في رجال الأعمال والخبراء والمسؤولين الذين يتطلعون إلى الأمام، وفي قادة المجتمع المحلي.
إنكم أنتم، وزملاؤكم في أرجاء العالم الإسلامي، مَن سيقوم بإيجاد البدائل لشبابنا. البدائل المتمثلة بالقوة لا العجز؛ وبتوافر الفرص، لا الإحباط من انعدامها؛ وبالأمل لا الغضب.
إنكم أنتم مَن سيقوم باستعادة التقاليد الإسلامية العظيمة في مجالات العلوم، والبحث العلمي، والإبداع؛ عاملين على إيجاد بيئة تدعم العقول الشابة وتشجعها. وأنتم أيضاً مَن سيوفر مستقبلاً عنوانه التقدم العالمي الحقيقي، مستقبلاً يُشرك جميع البلدان والثقافات، في إطارٍ من الاحترام المتبادل؛ نحو مستقبل يفتح باب الفرص أمام الجميع.
وأنا أعلم أن هذا المنتدى سيناقش بحماس ونشاط، على مدى الأيام القادمة، العديد من القضايا التي تؤثر على البلدان الإسلامية. وآمل أن يشارك كل واحد منكم الآخرين في معارفه وأفكاره.
وأحثكم أن تعملوا، في الأيام القادمة، على المضي قُدُماً بالحوار والشراكة. فالمبادرة تبدأ بشخص واحد، يقوم باتصال هاتفي واحد، أو بلمسة زر واحدة على لوحة أزرار الكومبيوتر، أو بعقد اجتماع واحد، أو بإجراء مصافحة واحدة. وواحداً واحداً، يمكن للمسلمين في أرجاء العالم، أن يجعلوا الشراكة وإطلاق الإمكانيات حقيقةً واقعة. فاحرصوا أن تكونوا أحد المبادرين.
وأشكركم شكراً جزيلاً