خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في جامعة بكين
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس الجامعة شو
السيد مساعد الرئيس لي
شكراً لكم،
إنه لشرف عظيم لي أن أكون معكم اليوم في الوقت الذي يحتفل فيه بلدانا بثلاثين عاماً من الشراكة.
وفي الواقع، فإن علاقاتنا تعود إلى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي عندما ارتحل ابن بطوطة إلى الصين. وبعد مائة عام، وصل أميرال البحر الصيني المسلم الشهير، "زينج هي"، إلى شبه الجزيرة العربية، وأرسل الحجّاج إلى مكّة. وبالرغم من أنه لم ينتج عن حملتي الاستكشاف هاتين تطور كبير بين عالمينا، إلا أن بذور التبادل والصداقة زُرعت في ذلك الوقت. واليوم، نشهد معاً تصميماً مُشتركاً، ومصلحة مشتركة، وأجندة مشتركة، فيما يتصل بتوسيع الشراكة بين بلدينا.
أصدقائي،
إن الصين والعالم العربي عنصران رئيسيان في حلّ أهم القضايا في القرن الحادي والعشرين والمتمثلة في استقرار الاقتصاد العالمي والسلام والأمن العالميين ومستقبل التفاهم والتعاون ما بين الثقافات. ونحن نسعى كذلك لحماية شعبينا من عنف الحرب وخطر الإرهاب؛ ونعمل أيضا على نمو وازدهار اقتصادياتنا والوصول إلى المعرفة وزيادتها والتمتّع بميزاتها وبناء مجتمعينا ومنح الأمل لأجيالنا الشابة.
ومن الواضح، أننا لا نستطيع في هذا العالم الذي يشهد العولمة تحقيق هذه الأهداف في عزلة. بل علينا أن نعمل معاً، وليس هناك شراكة أهم أو أكثر تفرعاً في أبعادها من الشراكة القائمة بين الصين والعالم العربي.
إن الأردن يقع في قلب واحدة من أكثر مناطق العالم استراتيجيّةً. ومنطقتنا تمثّل نقطة ربط بين القارات. ولكن الاستقرار والسلام والتقدم في المنطقة مهددين بموروث من الفقر، والنزاعات. والتصدّي لهذه التحدّيات سيساعد في السير قُدُماً بالمصالح العالمية الهامة، بما في ذلك مصالح الصين، ودفعها إلى الأمام.
وبالمقابل، فإننا في العالم العربي مهتمون بدرجة كبيرة بنجاح الصين. فنحن نتطلع إلى بلدكم كأنموذج للتنمية الفاعلة وكبلد قيادي في الشؤون الدولية. ونعي إصرار الصين القوي على صنع السلام والتعاون الدولي، من خلال مقعدها الدائم في مجلس الأمن والأدوار العالمية الأخرى التي تقوم بها. كما أننا نثمّن ثروتكم الفكرية والثقافية، والتزامكم بدعم تنمية الدول كبيرها وصغيرها. ونحن بحاجة إلى شراكتكم الاقتصادية، من خلال تعزيز التجارة والاستثمار بيننا.
وهذه هي الأسباب التي تجعلني أرى دوراً رئيسياً للصين في مستقبل الشرق الأوسط وشراكةً متناميةً عالمياً. وبالعمل معاً، يمكننا تسريع حلّ النزاعات الإقليمية وتجنّب المخاطر المستقبلية والإسهام في الاستقرار السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي.
واسمحوا لي أن أتحدث عن مجالين أساسيين هامين، هما إنهاء النزاع وتوسيع التنمية:
إن النزاع الطويل المدمّر بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمسّ صُلْب الاستقرار الإقليمي، وهو همٌّ يؤرق المسلمين في أرجاء العالم. فقد انتظر الفلسطينيون نحو ستين عاماً لتتحقق العدالة العالمية وأن يكون لهم وطنهم، وقد حان الوقت لإحلال السلام. وفي وقت سابق من هذا العام، أعادت الدول العربية التأكيد على المبادرة التاريخية التي كانت قد وافقت عليها عام 2002، والتي تدعو إلى التوصل إلى تسوية عادلة شاملة ودائمة. وكان للأردن دور قيادي في الدعوة إلى التحرّك نحو البدء مرة أخرى في عملية السلام وصولاً إلى تأسيس دولة فلسطينية استناداً إلى مبادرة السلام العربية.
إن لدينا اليوم فرصة هامة للتقدّم بالعملية السلمية إلى الأمام لأول مرّة منذ سنوات عدّة، ونحن نعدّ للاجتماع الدولي في وقت لاحق من هذا العام. وعلينا أن نضمن أن تؤتي مثل هذه الفرصة أُكُلها بحيث تكون النتيجة دفع الفريقين للاقتراب من تحقيق حلّ الدولتين. والاختراق الذي يمكن تحقيقه سيقود أيضاً إلى حدوث تقدّم في حلّ النزاع العربي - الإسرائيلي الأوسع. ويمكن للصين أن تلعب دوراً هاماً في دعم هذه العملية، بصفتها قوة دولية وجارٍ آسيوي يحظى بالاحترام والثقة. إننا نقدّر الخطوات التي اتخذتها الصين، بما فيها تسمية مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط. ونحن ننظر بإعجاب إلى الدور الذي يلعبه المراقبون الصينيون في لبنان، والتزام الصين بأن يكون لها حضور في دارفور تحت رعاية الأمم المتحدة.
أما المجال الثاني الذي نرى فيه قضية مشتركة بين بلدينا هو التنمية. فبالرغم من ثروة المنطقة النفطية، ما زالت معظم البلدان في الشرق الأوسط بلداناً نامية. ولذلك، فعلينا أن نسير إلى الأمام إذا ما أردنا تلبية حاجات شعبنا، وخاصة جيل الشباب. ونحن مثلكم، نسعى إلى إيجاد مسارٍ للنمو، ومثلكم أيضاً، نحن ملتزمون بالإصلاح والإبداع. وقد جعلنا من أولوياتنا اتباع سياسات نموّ تعتمد على برامج رئيسية في التعليم والتدريب.
إن الصين تقوم بدور هام كمثال يُحْتذى، وكداعم وشريك. والأردن وشعبه مُمتنان إلى درجة كبيرة للمساعدة والدعم التي قدمتهما الصين لنا في السنوات الماضية. كما أننا نولي اهتماماً كبيراً إلى علاقاتنا التجارية والاستثمارية مع الصين.
وفي الشهر الماضي، زارت جلالة الملكة رانيا الصين للبحث في سبل تعزيز مصالحنا المشتركة في قطاعات التعليم وتمكين المرأة والصحة. وهناك أعداد متزايدة من الطلبة من الأردن يدرسون في الصين، كما يحظى الباحثون والأكاديميون لدينا بعلاقات تبادل مفيدة. ويعمل التبادل الثقافي كذلك على تعزيز وإثراء تفهّم واحدنا للآخر.
وخلال اليومين القادمين من زيارتي، سيوقع المسؤولون الأردنيون وقادة الأعمال اتفاقيات للتعاون مع نظرائهم الصينيين في بكين وشنغهاي تغطي مجموعة متنوعة من المجالات تتراوح ما بين الطاقة النووية إلى التبادل الثقافي والتعليمي خصوصا بين جامعاتنا. وسيقوم بنك الصين للتنمية بتأسيس مكتب في الأردن، مثلما سيكون لمؤسسة تشجيع الاستثمار الأردنية مكتبها أيضاً في الصين.
أصدقائي،
لقد قادت الصين تاريخياً الاقتصاد العالمي. ويقول لنا الخبراء إن بلدكم ظلّ على مدى ألفي عام تقريباً ينتج ما يتراوح بين ربع وثلث الناتج المحلي الإجمالي في العالم. والتحديات التنموية التي يواجهها بلدانا الآن ليست إلا موروثاً لا يتجاوز تاريخه بضع مئات من السنين. واليوم، علينا أن نتذكر أن مسارنا إلى الأمام لا يشكل واقعاً جديداً، بل هو يعيد تأكيد دور شعبينا في مسيرة التقدّم العالمي.
إن الألعاب الأولمبية التي ستقام العام القادم في بكين ستضع بلادكم وإنجازاتها أمام أنظار العالم بأسره. وهذا الحدث الاستثنائي يتناغم مع ماضي بلدكم العظيم وحضوره الدولي المتزايد.
وآمل أن تنمو شراكتنا أيضاً. فالدول العربية والصين لها موروث طويل من القيادة العالمية. وأعتقد أننا بعملنا معاً، يمكننا خلق مستقبل جدير بهذا الموروث - وهو مستقبل يمتدّ من البحار الأربعة إلى البحر الأحمر وما بعده.
ولكم جزيل الشكر.