خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في حفل افتتاح الاجتماع الثامن للدول الموقّعة على معاهدة حظر الألغام
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحبة السمو الملكي الأميرة أستريد،
أصحاب السمو الملكي،
أصحاب المعالي والسعادة،
سيداتي وسادتي،
أشكركم شكراً جزيلاً. وبالنيابة عن صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، اسمحوا لي أن أرحب بكم جميعاً في الأردن، حيث يتشرّف بلدنا باستضافة الاجتماع الثامن للدول الموقّعة على معاهدة حَظْر الألغام. وترحيبي بكم اليوم له معنى خاص إذ نحتفل بالذكرى العاشرة لتوقيع هذه المعاهدة التاريخية.
أصدقائي،
لقد دخلت معاهدة حظر الألغام حيز التنفيذ أسرع من أي معاهدة مشابهة لها في التاريخ، وهذا يعبر عن التجاوب العالمي غير المسبوق مع دعوات الحظر، لما تمثله الألغام الأرضية من مخاطر. ولأن هذا الإنجاز كان عظيماً بالفعل، فإن العمل الذي تلا وضع بنود المعاهدة موضع التنفيذ جاء مميزاً أيضاً. وبفضل هذا الجهد، فإن ما بدأ كأفكار على الورق تحول إلى حقيقة وواقع يعيشه ملايين الناس. أما الأراضي التي كانت تعاني مما زُرع فيها من ألغام، فقد غدت آمنة؛ تفتح ذراعيها للزراعة والتنمية وتدور فيها عجلة الحياة، وبدأت آفاق المستقبل تشرق أمام العديد من الناس.
والفضل في هذا التقدم يعود إلى الرواد الشجعان العاملين في مجال الألغام: أنتم، وزملاؤكم في أرجاء العالم. أما في الأردن، فإن سمو الأمير مرعد بن رعد وفريقه المتميز يقومون بتوجيه جهودنا الوطنية ودورنا العالمي في هذا المجال، ونحن ممتنون لهم فعلا. كما أن هذه القاعة تضم العديد من الذين ساعدوا بلدانهم والدول الأخرى على تحقيق نجاح مماثل.
ولكن الكثير من العمل ما زال ينتظرنا. لذا دعونا نبدأ هذا الاجتماع بالاحتفال بالكم الذي أنجزناه متيحين لهذا النجاح الفرصة للانطلاق إلى الأمام. فنجاحنا يتطلب رؤية إنسانية وإرادة سياسية. ووحدة المجتمع الدولي، حكومات ومجتمعاً مدنيا، تتحقق من خلال شراكات قوية ملتزمة، وعملية تخطيط تهدف إلى التوصل إلى نتائج عملية يمكن قياسها. ومع عناصر القوة هذه، يمكن للدول الموقعة على معاهدة حظر الألغام أن تفي بوعود المعاهدة.
أصدقائي،
إن قضيتنا عظيمة. فقد كان المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، يقول دائماً إن الإنسان هو أغلى ما نملك. وهذه هي الروح التي تشكل بموجبها التزام الأردن بمعاهدة حظر الألغام. لذا، فإننا نأمل مخلصين أن ينظر المزيد من البلدان إلى الحياة من خلال هذا المنظار الذي يضع كرامة الإنسان في هذه المنزلة الرفيعة.
وفي الشرق الأوسط، حيث تسبّبَت حالة النزاعُ في إحداث كثير من الدمار، يعتبر العمل لحَظْر الألغام واستئصال مخاطرها أولويةً إنسانية ملحة. وقد شهدنا، نحن الأردنيون، وبصورة مباشرة، مآسىٍ أصابتْ حياة الأفراد والمجتمعات، وعايشنا العبء الوطني الذي تلقيه هذه المخاطر التي عانينا منها لعقود. لذا، فإننا نرفض الاستعمال العسكري للألغام الأرضية، فهي أسلحةٌ لا تميّز بين الأهداف، وتظلّ فعالة في تهديدها لمدة طويلة، وغالباً ما يكون ضحاياها هم الأشدّ فقراً والأكثر ضعفا وتعرّضاً للمخاطر. كما نؤمن نحن في الأردن أن الألغام الأرضية لا مكان لها في عالمنا.
وفي أرجاء العالم كافّة، علينا أن نوجّه رسالة إلى جميع الذين ما زالوا يتعرضون للخطر مفادها أننا ماضون قُدُماً حتى تختفي الألغام الأرضية... وحتى نعيد للأرض عافيتها وإنتاجيتها، لا من أجل أجيال المستقبل فحسب، ولكن من أجل هذا جيل الحاضر أيضاً. كما أن علينا أن نوجّه رسالة إلى الناجين من الألغام الأرضية نقول فيها أننا ملتزمون بمساعدتهم على بناء آفاق مستقبلية مِلْؤها الفرص والأمل. ومع إقرار معاهدة الأمم المتحدة حول حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقات، فإن ضحايا الألغام يجب أن يُمَكّنوا من الحصول على حقّهم في حياة كريمة مُنْتجة.
والعبء يقع علينا لتحقيق نتائج ملموسة، تقاس بمدى التزامنا لتحقيق واجباتنا التي تنصّ عليها معاهدة حَظْر الألغام. كما أن استئصال الألغام الأرضية، والألم والمعاناة اللذين تسببهما هذه الألغام، كفاحٌ نسعى إلى الفوز به. ونحن نقترب من الوقت الذي لن تعود الألغام الأرضية فيه حدثا جديداً، بل تاريخاً ماضياً. وعمل مجموعتكم سيستمر ويبقى نموذجا يُجسّد قدرة الشراكات المبدعة والشجاعة على التوصّل إلى مُخْرجات هائلة عظيمة.
أصدقائي،
بالنيابة عن صاحب الجلالة، أتمنى لكم التوفيق والنجاح في مداولاتكم ومباحثاتكم خلال الأسبوع القادم. وأنا واثق أنكم وزملاءَكم ستساعدون عالمنا على التصدّي للتحدّيات التي ما زالت تنتظرنا. وبعملكم هذا تساعدون ملايين الناس بتحقيق مستقبل أفضل يعمّه السلام ويملؤه الأمل.
وأشكركم شكراً جزيلاً.