خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر البتراء الثالث للحائزين على جائزة نوبل
بسم الله الرحمن الرحيم
إيلي، كوفي،
المشاركون الأفاضل،
إن الحائزين على جائزة نوبل يستطيعون تغيير العالم بطرح سؤال بسيط مفاده: "ماذا لو؟"
فماذا لو عملت جماعات السلام معاً لتجاوز عوامل الفُرْقة؟
وماذا لو كانت هناك وسيلة جديدة لمنح الفقراء دفعة اقتصادية لحياتهم؟
وماذا لو أمكن استكشاف روائع علم الجُزيْئات وبصريات الليزر وغيرها الكثير؟
والسؤال هنا هو أي إمكانات جديدة للحياة يمكن لهذه الاكتشافات أن تخلق؟
أصدقائي،
إن الكفاءات المجتمعة في هذه القاعة لتخيّل الحلول وتصوّرها وإيجادها وإنتاجها هائلة.
ونحن في الأردن، نعتزّ في هذا اليوم، بأن يكون بيننا العديد من أصحاب العقول النيرة في العالم من الحائزين على جائزة نوبل للسلام والآداب والفيزياء والطب والكيمياء والاقتصاد... كما نعتز أيضاً بأن يكون بيننا العديد من قادة الفكر من مختلف أرجاء الشرق الأوسط، وما يتجاوزه. ونعتزّ أيضاً بأن العديد من القادة المعروفين عالمياً، من القطاعين العام والخاص، تمكّنوا من الانضمام إلينا في هذا المنتدى.
فالفرصة متاحة لنا جميعاً في هذه القاعة كي نسخر أفكارنا وقوانا وقدراتنا لإنتاج مبادرات خلاّقة قوية لرعاية قادة الغد وتنشئتهم.
ولأولئك الذين كانوا هنا من قبل، ولأولئك الذين يزوروننا لأول مرة أقول: أهلاً بكم والشكر لكم على حضوركم. وأرجو أن تسمحوا لي بأن أنوّه أيضاً بمجموعة خاصة من المشاركين في هذا العام: وهم بعض الشبّان والشابّات الأكثر ذكاءً، الذين يمثلون الجيل الشابّ في هذه المنطقة ومستقبلها. فأهلاً بكم والشكر لكم.
إن أكثر من نصف سكان منطقتنا دون سن الثامنة عشرة. وهذا يمثّل جيلاً ذا شأن بدأت ملامحه تتضح. وهؤلاء الشبان هم الذين سيشكّلون مستقبلنا. وإليهم أوجه كلماتي اليوم.
أصدقائي،
في هذا المؤتمر، وبعد أن ينهي أعماله، أحثّكم على مساعدة هذا الجيل الجديد في منطقتنا ليقدّم ما لديه من تساؤلات تبدأ بـ "ماذا لو":
فماذا لو تمكّنا، متجاوزين الحدود، من حل المشكلات التي نشترك فيها في مجالات التنمية الاقتصادية والبيئة والصحة والكثير غيرها؟
وماذا لو تمكّنا، من خلال الشراكة، من توسيع رقعة الازدهار؟
وماذا لو تمكّنا، فرداً لفرد، من إيجاد منطقة يعمّها السلام؟
إن الشباب يواجهون في منطقتنا تحدّيات خاصة. ومثل معاصريهم في أرجاء العالم يواجهون تحديات هائلة في أحوال البشر. وفي منطقتنا، تستنزف النزاعات والعوائق الاقتصادية حياة الملايين وآمالهم.
إن لدينا كمية هائلة من المعارف والقدرات الجديدة... ولكن إمكانية الوصول إلى تلك المعارف وما تحمله معها من وَعْد تنزلق من بين أيدينا.
لقد تحققت اكتشافات وإنجازات عظيمة في مجال الرعاية الصحّية... ومع ذلك فإن بلايين الناس مُسْتبعدون من الاستفادة من مزاياها.
كما أن لدينا معرفة أكثر من أي وقت مضى عن البيئة وعن كيفية تحسينها... ولكن ما زالت هناك مخاطر جدّية من التلوّث والتغيّر المناخي ونقص الموارد.
ولنعترف بأن العديد من مظاهر التقدّم التي لم تسبق من قبل قد تحققت في الاقتصاد العالمي في مجالات النمو والتنمية وغيرها كثير... ومع ذلك، فما زال هناك الكثير من مظاهر الإجحاف وعدم الكفاءة والحواجز.
إن مؤتمر البتراء الثالث هذا يشكّل لحظة حاسمة لاجتماعنا هنا. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تم وضع أساس للتفاهم حول المجالات التي يمكن لهذه المجموعة أن تؤثر فيها بصورة فريدة. وقد حان الوقت الآن للاستفادة من حصيلة خبراتكم ونفوذكم وما تتمتعون به من قوّة خلاّقة.... ولأن توضع موضع التطبيق عملية ذات جدوى لمن يحتاج إلى مساعدتنا. p
واليوم، يا أصدقائي، جئت هنا لأقول لكم إن القضية التي علينا أن نركّز عليها هي قضية مستقبل أجيالنا الشابّة، وخاصة هنا في الشرق الأوسط.
فحتى أولئك الذين لا يقفون في الخطوط الأمامية يستشعرون تأثير ما يجري. وشبابنا وشاباتنا يبذلون جهوداً جادة مضاعفة للتعلّم والإنجاز، وبناء مستقبل لهم. وخلال دقائق، ستسمعون أصواتهم بأنفسكم، في جلسة عامّة حول منظورات الشباب. ولن أتحدّث نيابة عنهم. ولكنني أستطيع أن أحدثكم عنهم. أستطيع أن أخبركم أن شبان وشابات هذه المنطقة لديهم مواهب وطاقات وشخصيات رائعة. وأستطيع أن أخبركم أن بمقدورهم تغيير الوقائع وما كان مسلم به قديما إذ يمكنهم تجاوز عوامل الفُرْقة، والاتفاق على أسس العدالة، ومشاركة بعضهم بعضاً في التقدم الذي يشهده القرن الحالي.
إن واجبنا اليوم أن نساعد في توفير الأدوات التي تلزمهم لتحقيق النجاح. وهذا يبدأ بقدرتكم على إلهام العقول الشابة لتعيد تصوّر المستقبل.
ولكننا يجب أن لا نقتصر على التصور فقط. فإذا ما أُريد لهذه الأفكار القوية أن تُحْدث فرقاً، فعلينا أن نبادر إلى إحداث التغييّر الإيجابي.
وعلينا أن نعدّ المبادرات في المجالات التي تحظى باهتمام محوري في قطاعات التعليم والتقدّم الاقتصادي والصحة والبيئة. وقدرتكم على أن تفكروا خارج الأطر النمطية يمكن أن تؤجج شعلة إبداع هائلة. ويمكن لتوقعاتكم المهنية وتصميمكم أن يضمنا تحقق نتائج ملموسة.
إن أحد الآليات الواعدة، التي أعتقد أنها ستكون محل مناقشة مثيرة هنا هي إيجاد صندوق علمي إقليمي يديره ويشرف عليه الحائزون على جائزة نوبل لاستقطاب دعماً عالمياً للتميّز الأكاديمي والبحث العلمي مما يشجع التقدّم وتدريب علماء الغد.
أما الذين شاركوا من قبل فيعلمون أننا ناقشنا مبادرات محدّدة في الماضي. وآمل في هذا العام أن نعمل على تثبيت الصلة بين الأفكار والأفعال. ومن الأهمية بمكان أن نحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع. ففي هذه القاعة مخزون لا نظير له من الفكر والمصداقية والنفوذ العالمي. ونحن نريد أن تصل أفكاركم إلى ما هو أبعد من قاعة الاجتماعات، ونحتاج إلى أفكاركم كي تنعكس بالفائدة على حياة الناس في هذه المنطقة. وأحثّكم أن تعملوا، عبر الأيام القليلة القادمة، على المساعدة في إيجاد الوسائل لإحداث هذا.
لقد قدم العالم المسلم الشهير ابن خلدون، الذي عاش في القرن الرابع عشر، نصيحة للذين يسعون لامتلاك الحكمة وذلك بأن يسافروا في أرجاء الأرض للاجتماع بكبار مفكري عصرهم.
واليوم، وعلى نفس المسار، نسعى في الأردن للاستفادة من حكمتكم، ونرحّب بهذا الاجتماع للمفكرين العظام.
إنني حريص لتقديم كافة أشكال الدعم لكم وبكل طاقتي. وأنا هنا أتحدث باسم جميع الأردنيين عندما أقول إننا مستعدّون لتقديم كل ما نستطيع تقديمه.
فبالعمل معاً، يستطيع جيل جديد في الشرق الأوسط الانتقال إلى مستقبل مِلْؤُهُ الأمل وهو ليس بالحلم البعيد المنال.
ويمكن للنزاع أن يصبح فصلاً في كتب التاريخ... كما يمكن للطلاب أن يغادروا المدرسة بعد إنهاء دراستهم، وهم جاهزون متحمسون لما ينتظرهم في المستقبل من وظائف.
إن الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين والآخرين يمكن أن يعملوا معاً لإنهاء الفقر والحفاظ على الموارد وحماية الأطفال.
ويمكن أن يكونوا أُنموذجاً يحتذى في عهد جديد مواصلين تجسيدهم لموروث منطقتنا في التعايش المشترك والمسؤولية الاجتماعية.
وهنا في البتراء، يمكنكم أن تشاركوا في خلق هذا المستقبل.
فشاركوا بجرأة وأمانة... وانخرطوا في هذا الأمر... واعملوا على إحداث فرق بأفكاركم القوية ... وشاركوا في خلق مبادرات حقيقية.
وإذا ما قمتم بهذه الأشياء جميعها... فإنكم ستحدثون فرقاً لملايين الناس فرداً فرداً.
وليس هناك تعبير أعظم من هذا الأمر عن إنسانيتكم وعبقريتكم.
وشكرا لكم.