رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى رئيس الوزراء علي أبو الراغب حول تطوير قطاع التعليم العالي
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ علي أبو الراغب حفظه الله
رئيس الوزراء الأفخم
أبعث إليك أطيب تحياتي وأمنياتي بالتوفيق وبعد،
فقد انطلقت رؤيتنا لبناء الأردن النموذج على ركائز أساسية تشكل بمجملها متطلبات هامة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة, وتوفر بيئة تكون العدالة والحرية والحياة الكريمة أبرز سماتها. وقد كان إيماننا راسخا دوما أن الإنسان الأردني هو هدف التنمية وأساسها, وكان حرصنا منصبا على أهمية الاستثمار بالإنسان تعليما وتدريبا وتأهيلا, بهدف إعداد جيل من الشباب قادر على التفكير والتحليل والإبداع والتميز ومدرك لحقوقه وواجباته تجاه وطنه وأمته وحريص على المشاركة في مختلف مراحل العمل والبناء.
وكما تعلمون فقد شكل موضوع التعليم العالي أحد أهم أولوياتنا الوطنية باعتباره تحديا رئيسيا أمام مسيرتنا التنموية خلال الفترة الأخيرة, فكان أحد المحاور التي تمت مناقشتها في الملتقى الاقتصادي الوطني الثاني الذي عقد في البحر الميت خلال الفترة من 31 آذار - 1 نيسان 2001 وتم تناوله محورا مهما في استراتيجية تنمية الموارد البشرية التي تم إعدادها من قبل المجلس الاقتصادي الاستشاري, كما تمت دراسته في منتدى التعليم في أردن المستقبل الذي عقد في منتصف أيلول من العام الماضي, وكذلك الحال في الملتقى الاقتصادي الوطني الثالث الذي عقد في مدينة العقبة في تشرين أول من العام الماضي.
وبحمد الله فقد كانت النتائج ايجابية, إذ تم تحقيق العديد من الإنجازات على طريق تطوير قطاع التعليم العالي مثل إعادة النظر في الخطط والبرامج الدراسية للجامعات والتركيز على تدريس اللغة الإنجليزية وتكنولوجيا المعلومات, وإنشاء مراكز متخصصة لتطوير قدرات الهيئات التدريسية, بالإضافة إلى حوسبة جميع الأنشطة الجامعية وتنفيذ إصلاحات عديدة للتعامل مع الوضع التمويلي للجامعات.
وانطلاقا من أهمية قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الإسراع بعملية الإصلاح والتحديث التي يجري العمل عليها بشكل حثيث, وما تتطلبه المرحلة القادمة من خريجين يمتلكون المهارات والقدرات اللازمة للتعامل مع مختلف التطورات التكنولوجية والتقنية, متسلحين بقيم وسلوكيات العمل والإنتاج والإنجاز والتميز, واعتمادا على ما تم تأسيسه خلال الأعوام الثلاثة الماضية, من حوسبة التعليم والتركيز على مهارات اللغات الأجنبية, وتطوير المناهج ونظم التعليم في مرحلة المدرسة, فإننا بحاجة الى إجراء دراسة شاملة حول التحديات التي تواجه التعليم العالي, وإعداد خطط عمل وبرامج زمنية واضحة لتنفيذ رؤيتنا لتطوير هذا القطاع.
ولكن قبل كل ذلك لا بد من تنفيذ حزمة إجراءات فورية للتأكد من توفر البيئة الملائمة لتطوير قطاع التعليم العالي ورفع سويته, ومن أهمها إجراء الإصلاحات التشريعية التي تسمح بـ:
- إعطاء دور اكبر للقطاع الخاص للمشاركة في صناعة مستقبل التعليم العالي, وذلك من خلال زيادة تمثيله في مجلس التعليم العالي, وتسهيل مشاركته في إتاحة مزيد من فرص التعليم العالي المتميز للطلبة الأردنيين والوافدين معا.
- الاستمرار في دراسة موضوع تمويل الجامعات بما يكفل رفدها بالموارد اللازمة, وذلك من خلال الاستمرار في إعادة هيكلة الرسوم الجامعية, وإنشاء صندوق تمويلي للطالب المحتاج يمول من المصادر المختلفة وأهمها الدعم الحكومي للجامعات.
- إدخال مفاهيم ضبط الجودة والنوعية في مختلف مكونات ومراحل نظام التعليم العالي, من خلال إنشاء مؤسسة مستقلة تطبق المعايير العالمية.
- إعادة النظر بسياسات القبول في الجامعات لتحقيق أكبر قدر ممكن من المواءمة بين رغبات الطلبة والتخصصات المتاحة لهم, وذلك من خلال دراسة أساليب القبول على مستوى الكليات, وتسهيل إجراء الانتقال من تخصص إلى آخر ضمن الكلية.
- توفير الآليات اللازمة لاحتضان ورعاية الطلبة الذين يملكون القدرة على التميز والإبداع وتشجيع البحث العلمي والتطوير.
إن طموحاتنا وأهدافنا التي نسعى لتحقيقها كبيرة وتحتاج إلى تضافر جهد كل واحد منا, وجميعنا مدعوون لدعم ورعاية الشباب واكتشاف طاقاتهم وإمكاناتهم لأنهم الأولى بالرعاية والدعم, وثمة مسؤولية أيضا تقع على كاهلهم لإظهار قدرتهم على المنافسة والتميز ومعرفة إبداعاتهم التي سترسم ملامح المستقبل للوطن ولأجياله القادمة.
نسأل الله العلي القدير أن يوفقكم وزملاءكم الوزراء ويسدد على طريق الخير خطانا جميعا لتحقيق تطلعات شعبنا وبناء الأردن النموذج.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الثاني ابن الحسين