كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي
السلام عليكم، وأهلاً بكم في الأردن. والشكر لكم جميعاً ، فأنتم هذا المنتدى، وأنتم، ثانيةً، تصنعون حَدَثاً متميزاً مدهشاً.
بروفيسور شواب، اسمح لي أن أعرب، نيابة عن كل واحد من الحاضرين هنا، عن شكرنا لك لأنك آمنت بمنطقتنا وشعبنا. وقد قلتَ دائماً إن الحوار هو الباب للمستقبل. وساعدتَ على فتح ذلك الباب أمامنا جميعاً. ويشرفنا - الملكة رانيا، وأنا، والشعب الأردني- أن تحلّ بيننا ثانية.
أصدقائي،
قبل عامين، وفي هذا المكان، انطلقنا لإيجاد مستقبل جديد، مستقبل مِلْؤه الوعد للشرق الأوسط. وفي العام الماضي، تقدّمنا بذلك الجهد إلى الأمام، متواصلين مع القادة من جميع القطاعات- القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني. ونحن نجتمع الآن ثانيةً، لنبني على ذلك التقدّم الذي أحرزناه- وما نحققه هنا يمكن أن يجلب المنافع لمنطقتنا بكاملها.
إنها حقاً ... لحظة " اغتنام الفرص". فلم يسبق أن أتيحت فرصة أعظم من هذه للتقدم. ولم يسبق أن كان هناك حسّ بالاتفاق أعظم مما هو سائد حالياً بيننا، على أن المستقبل في أيدينا. ونشهدُ اليوم أن رياح التغيير الإيجابي تهبّ في أرجاء المنطقة. وقد لعب الكثيرون منكم دوراً قياديا في هذا المضمار.
إن النجاح يبدأ برؤية متفائلة: ما الذي يمكن للشرق الأوسط أن يكونه، وما يجب أن يكون عليه، لتلبية حاجات شعبنا: منطقةً يسودها السلام والاستقرار. غنيةً بالفرص، تدير شؤونها حكومات تعمل على خدمة الشعوب وتمكينها. وفيها مجتمعات قوية تستمدّ توجهاتها من إيمانها القوي بالإسلام وتراثها الإسلامي الإيجابي. منطقةً تقدّم أنموذجاً يحتذى على المستوى العالمي في خَطوها الواثق في مجال الحياة الاقتصادية.
إن هذا مستقبل يستحقه جميع مواطنينا. ولكنه هامٌّ بصورة خاصة لشبابنا. فالشبان العرب يحتاجون، ويستحقّون، عالماً يستطيعون فيه إطلاق طاقاتهم إلى مداها الأقصى- أن يكونوا شركاء بصورة كاملة في التقدّم العالمي، وأن يبنوا مستقبلاً آمناً، لهم ولأسرهم.
أصدقائي،
إن هذه ليست أهدافاً صغيرة. ونحتاج لتحقيقها استراتيجية رابحة. فلا بدَّ من ترجمة الرؤية إلى عمل ملموس. وأنتم - الذين حققتم النجاح على أعلى المستويات في مجال الأعمال وفي العمل المدني - تعرفون ما الذي يتطلّبه هذا: عمل موحّد، وأهداف واضحة محدّدة، وبرامج تركّز على النتائج، ومعايير وجداول زمنية لتنفيذها تمكننا من الاستمرار في التحرّك قُدماً.
إن هذه جميعها عناصر مبادرة أساسية هامة، بدأت هنا في العام الماضي. وقام قادة من القطاع الخاص والمجتمع المدني بتطوير "رؤية للعام 2010 للعالم العربي". وحدّدوا معاً، أهدافاً لمنطقتنا، أهدافاً تعكس مصالح شعبنا وقيمه. وأجري مَسْح للجمهور في العالم العربي لمعرفة آرائه وهمومه، وتمَّ تطوير خطة عملية تضمن تحديد معالم التقدّم، ومراقبتها، وتقييمها.
إن الإصلاحات شاملة- تشمل الحكم الرشيد والتعليم، والنمو الاقتصادي، وغيرها كثير. وهناك إطار زمني لا غموض فيه - وهو عام 2010 - للعمل الواقعي المفيد.
إن الرؤية لعام 2010 ليست مجرّد جهد أكاديمي، فهي جهدّ من أجل الشرق الأوسط بمجموعه، كي يعمل على إيجاد التغيير الإيجابي الخاص به. وهذا يتطلب عملية من عالم الواقع: خطواتٍ مُحدّده، يمكن للحكومات الإقليمية والمجتمع المدني وضعها موضع التنفيذ.
والآن، غدا الأمر منوطاً بكم. فعلى مدى اليومين القادمين، سيكون هناك العديد من الندوات التي تناقشون فيها ما تحتاجه هذه العملية.
ويمكن أن يكون لعملكم تأثير هائل. ففي المنطقة، ستساعدون على إحداث الوفاق حول إصلاحات مُحّددة. وفي الساحة العالمية، ستعملون على تشجيع الدعم لمبادرات العالم العربي. وهذا له أهمية بصورة خاصة نظراً لأن مؤتمر القمة القادم للدول الصناعية الثمانية سينعقد بعد أقل من شهرين. ويُتوقع أن تصدر القمة بياناً تدعم فيه الإصلاح الذي ينبع من البيئة المحلية في الشرق الأوسط، وهو بيان يمكن أن يكون جسراً هاماً بين الآراء في العالم العربي وتلك في العالم الغربي.
ودعوني أقول: إن الأردن منخرط بعمق فعلاً في عملية الإصلاح. وهدفنا مستقبلٌ يلبّي تطلعات شعبنا. وقد قمنا بعمل جريء. ففي الاقتصاد، أطلقنا العنان للنمو والتنمية الفعّالة، وفي المجال السياسي نعمل على تأصيل قيم الحاكمية الرشيدة، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون.
ونحن نعلم أن الإصلاح الفعّال عملية متواصلة ويجب أن تكون متناسقة متناغمة وشاملة لا تستبْعد أي منحى. وقد تم تشكيل لجنة ملكية غير حزبية من مختلف شرائح المجتمع. ويعمل أعضاؤها على إعداد أجندة إصلاح وطنية ستكون مرشدا للحكومات على مدى السنوات العشر القادمة، وتقود مسيرتها. وينظر الأردن أيضاً في إمكانية قيام مجالس تشريعية محلية تعطي القاعدة الشعبية دوراً أكبر في تحديد أولويات التنمية المحلية. وكل ذلك، خطوات هامة لإعطاء الناس حصة في الإصلاح والمستقبل العظيم الذي سيشكله هذا الإصلاح.
أصدقائي،
على هذا المنتدى أن يواجه أيضاً حقائق السلام والنزاع. إذ يظل عدم الاستقرار في المنطقة عائقاً رئيسياً أمام تحقيق التنمية المستدامة والازدهار. والإخفاق في إيجاد حلّ لهذه القضية، هو ببساطة، ليس من الخيارات التي تجول في ذهننا بأي حال.
نعم، هناك تحدّيات عميقة. ولكن هناك أيضاً فرص هامّة. وقد شهد هذا العام، فعلاً، الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يعيدون تأكيد التزامهم بأن يسيروا قُدُماً في العملية السلمية. وهناك إشارة إيجابية أخرى تتمثل في الاتفاقية التي تمَّ توقيعها مؤخراً حول القناة التي تربط البحر الأحمر بالبحر الميت- أو ما سمّي بـ "قناة السلام". وقد عمل الأردن مع كلا الطرفين في هذا المشروع، الذي سيعزز من الأمن المائي والأمن المتصل بالطاقة، ويحمي البيئة، لمصلحة الجميع.
وعلينا أن نضمن انتقال هذا المشروع والمشروعات العملية الأخرى من مرحلة التصميم إلى مرحلة التنفيذ. وعلينا أن نحشد كل جهد ممكن لإحلال السلام في المنطقة بأسرها. فيجب أن يكون هناك حل دائم عادل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي: دولتين، تجاور إحداهما الأخرى، بسلام وأمن. وعلينا أن ندعم وجود عراقٍ مستقر موحّد- عراقٍ نساعد شعبه في نهوضهم إلى بناء اقتصاد حيوي ديناميكي ومجتمع متضامن.
أصدقائي،
قبل يومين، سعدت بافتتاح مؤتمر البتراء التاريخي للحائزين على جائزة نوبل. وقد أضفى هؤلاء المفكرون المتميزون منظوراً جديداً على المشكلات الملحّة التي نواجهها في أيامنا هذه. وفي إحدى الجلسات التي ستعقد في فترة لاحقة من هذا اليوم سيطلعكم إيلي ويزل الحائز على جائزة نوبل والذي شارك في تنظيم مؤتمر البتراء، على ما أنجزه المشاركون في ذلك المؤتمر. وهناك نتيجة هامة، كما آمل، مؤدّاها إن يُلْهَمَ جميع الناس لرفض جميع المُحدّدات التي تُكبّل رؤاهم للمستقبل. وليس هناك من رؤية أهمّ من رؤيتكم أنتم.
ويقول خبراء الأعمال إن أي شركة، عندما تحتاج إلى التأقلم مع التحدّيات الجديدة، فإن أكثر القادة فاعلية للتعامل مع هذا التأقلم قد يكونون موجودين فعلاً داخل الشركة... وهم أصحاب الرؤى القائمون على عملهم في الداخل: أولئك الناس الذين يستطيعون أن يستشرفوا مستقبلاً إيجابيا- وكيف يمكن تحقيقه ليغدوا واقعاً ملموساً. ولديهم مستوى من التبصّر والالتزام لا يمكن أن يأتي به أحد من الخارج.
وهم يُسمّون أصحاب الرؤى هؤلاء " عوامل التغيير". ولا شك، يا أصدقائي، أنكم أنتم عوامل التغيير لمنطقتنا. فرؤيتكم، واندفاعكم، وخبرتكم، يمكن أن تجعل من أفضل توقعاتنا واقعا ملموسا.
وأشجعكم، على مدى الأيام القادمة، على أن تشاركوا الآخرين في أفكاركم بجرأة، وأطرح أمامكم تحدّياً يتمثّل في أن تخرجوا بعملية يمكن من خلالها تحويل الأفكار إلى واقع. وأطلب منكم اغتنام الفرصة- في أن تتقدموا معاً، وأن تحدثوا فرقا، وأن تعملوا على إيجاد مستقبل جديد للجميع.
وأشكركم جزيل الشكر.