كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في الاجتماع السنوي الاستثنائي للمنتدى الاقتصادي العالمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بروفسور شواب
الأعضاء والضيوف الأكارم
يوصف هذا الاجتماع بالاستثنائي، وهو استثنائي بالفعل. حيث تجتمع في الأردن مجموعة لا نظير لها، في لحظة تاريخية حرجة، بينما تلوح في الأفق فرصة غير مسبوقة لبعث مستقبل جديد، مستقبل واعد، مستقبل الحرية، ومستقبل السلام.
أشكرك صديقي بروفسور شواب على امتلاكك الرؤية والشجاعة التي تمنحك الإيمان بالمستقبل، والمعرفة بأن الحوار هو المفتاح لهذا المستقبل، إنه مقياس لمكانتك الرفيعة التي جمعت هذا العدد الكبير من القادة من قطاعات مختلفة وجهات مختلفة، والذين سيكون لهم دور في مستقبل هذه المنطقة. أشكر كافة المجتمعين هنا على التزامهم وجهدهم، اليوم وفي الأيام والأشهر القادمة.
عندما التقينا في دافوس، في شهر كانون الثاني الماضي، ما كنا لنعرف آنذاك أننا سنجتمع مجدداً بهذه السرعة، أو أن الأحداث ستتواتر لهذه الدرجة في هذه الأثناء. عندها، تحدثنا عن الحرب التي كانت تلوح في الأفق في العراق، والآن، نتحدث عن تسريع وصول المعونات الإنسانية، عن إعادة الإعمار، وعن حكومة عراقية ذات مصداقية تمثل كافة فئات الشعب العراقي. عندها، تحدثنا عن تحقيق الالتزام بتنفيذ خارطة الطريق نحو السلام لإسرائيل وفلسطين، والآن نتحدث عن جعل ذلك الالتزام واقعاً ملموساً: سلام شامل، دولتان، تعيشان جنباً إلى جنب، في سلام وأمن.
إنني أصف هذه اللحظة بأنها حاسمة، فلم يكن هنالك في أي وقت مضى مثل هذا اليأس ولكن مثل هذا الأمل، مثل هذا البؤس ولكن مثل هذا الوعد، مثل هذا السفك للدماء ولكن مثل هذا الحنين القوي للسلام، مثل هذه المخاطر ولكن مثل هذه الفرصة.
في العقبة، وقبل أقل من ثلاثة أسابيع،شهدنا الفلسطينيين والإسرائيليين يؤكدون نيتهم الصادقة في متابعة السعي نحو السلام: فللإسرائيليين، توفر خارطة الطريق أمناً جماعياً يضمنه كل العرب... معاهدة سلام وعلاقات طبيعية مع الدول العربية ونهاية للصراع، وتوفر كذلك للفلسطينيين نهاية للاحتلال... دولة مستقلة قابلة للحياة بحلول 2005، والوعد بالعيش كشعب حر مزدهر.
أقر المجتمع الدولي خارطة الطريق. وعلينا الآن مسؤولية تطبيقها مما يتطلب أكثر من الكلمات والأماني الطيبة. على أصدقاء السلام، في المنطقة والعالم، أن يظلوا على الدرب. ويعني هذا التزاماً حقيقياً، التزاماً يختبر قيادتنا، ومواردنا، وقيمنا الأخلاقية العميقة.
منذ قمة العقبة جذب تجدد العنف اهتمام وسائل الإعلام. المتطرفون حاولوا إخراج عملية السلام عن مسارها، بدفعها مجدداً نحو مسارها القديم من الانقسام والكره والعبثية.
يجب أن نتذكر عندما نسمع هذه الأخبار، ما تريده الغالبية الساحقة من طرفي النزاع. إنها تريد السلام.. تريد العمل والتوفير؛ تريد إرسال أطفالها إلى المدارس؛ تريد التخطيط للمستقبل؛ الناس يستصرخون المساعدة في سبيل العودة إلى حياة طبيعية؛ إلى الحرية؛ إلى الأمل. تلك هي الأصوات الهامة التي تستدعي الإصغاء إليها.
أصدقائي، يجب أن لا نفوّت أي من الفرص المتاحة مجدداً.
آن الأوان لنسمع صلوات، وأحلام وتوقعات أولئك الذين يعيشون في الأراضي المقدسة ويعشقونها. آن الأوان لقيادة المسيرة نحو السلام، سلام تتوفر له مقومات النجاح، سلام دائم.
في الغد تجتمع اللجنة الرباعية، أوروبا، وروسيا، والأمم المتحدة والولايات المتحدة هنا في الأردن لتضع خططاً للخطوات القادمة لتنفيذ خارطة الطريق. ولعل في عقد اجتماعهم الآن، بالتزامن مع هذا الاجتماع، ما يخاطب الدور الهام الذي يؤديه هذا المنتدى في هذه الفترة التاريخية من التغير.
في اليومين القادمين، سيركز أعضاء المنتدى بكل ما لديهم من خبرات على التحديات الأساسية: تحديد آليات لتنفيذ خارطة الطريق للسلام، دفع عجلة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المنطقة، تحفيز قوى النمو والتطور، ودفع عملية إعادة إعمار العراق، ولتكن إعادة إعمار تحترم حقوق الشعب العراقي في تقرير مستقبله. إن ما يربط هذه القضايا الرئيسية معاً، ليس سوى خيط واحد: الحاجة لصنع مستقبل آمن، مستقبل أفضل، لهذه المنطقة وللعالم.
إن الحاجة ملحة، فكما علينا الآن التصرف لإيجاد حلول للنزاعات الإقليمية، علينا العمل بسرعة لمداواة اليأس الاجتماعي الاقتصادي. وحقيقة أن العالم العربي يعاني من فقر أقل شدة منه في المناطق النامية الأخرى، إلا أن هنالك كثيراً من المحتاجين وكثيراً من العاطلين عن العمل وشبابا يواجهون هذه الحقائق القاسية يوماً بعد يوم.
وفي الحقيقة فإن أعمار نصف سكان العالم العربي دون الثامنة عشرة. هؤلاء الشباب، مثلهم مثل غيرهم في أي مكان، يستحقون مستقبلاً يمكنهم من الازدهار، و يمنحهم الفرصة والأمل. وإذا ما حرموا من هذه الفرصة، فهل نستغرب تشككهم بمنافع العولمة أو بالنوايا الحسنة للعالم المتطور.
كي نغير هذا، علينا أن نعمل، وأعتقد أن العمل يبدأ من الوطن. نحن في الأردن، ومثلنا كثيرون في الشرق الأوسط، نعمل بجد لتوفير بيئة مدنية تمكن أفراد شعبنا من تحقيق النجاح والازدهار. إن المطلب الأساسي، هو وجود مجتمع مدني ديمقراطي يحتضن الجميع، يضمن الحقوق، ويفوض المسؤوليات، ويكرم الجدارة، ويكافئ الإنجاز. إن أحجار الأساس التي نبني عليها تتمثل في السلام والاستقرار، والحقوق الأساسية المدنية والسياسية، والخدمات الضرورية، وحرية التعبير، وسيادة القانون.
كما يعلم العديد منكم، جرت في الأردن هذا الأسبوع انتخابات نيابية، سوف ينضم بموجبها مائة وعشرة أعضاء في مجلس النواب إلى مجلس الأعيان الأردني بأعضائه الخمسة والخمسين، ليعملوا معاً من أجل مستقبل الأردن، وفي الآن ذاته تقوم أعداد لا تحصى من الأردنيين بالمهمة ذاتها. المسؤولون الحكوميون الذين يسابقون الزمن في بعث روح جديدة للخدمات والدقة في أداء الأعمال. وهنالك قادة القطاع الخاص الذين يتواصلون مع كافة أرجاء العالم سعياً وراء أعمال جديدة ومبتكرة. منظمات غير حكومية وقيادات المجتمعات المحلية، التي تحمي الأطفال، وتمكّن النساء، وتحمي البيئة، وأكثر من ذلك بكثير..
لتأكيد التزامنا بحقوق الإنسان، أسسنا مؤخراً مركزاً وطنياً لحقوق الإنسان، وكذلك المجلس الأعلى للإعلام وهو مجلس مستقل. هذا هو بلدنا الأردن، البلد الذي يعمل لتحقيق المساءلة، والشفافية، والسلام: البلد الفخور بموروثه الإسلامي، والذي يواجه المستقبل بكل ثقة.
وقد سمحت لنفسي أن أوجه الدعوة لبعض من شبابنا الذين حققوا الإنجازات، لينظموا إلى هذا الاجتماع. إنهم طلبة من جامعاتنا الأردنية، يمثلون ذلك النوع من التميز الذي يعمل بلدنا حثيثاً لتنميته. آمل أن تتاح الفرصة لكم للاجتماع والتحدث إليهم ولإشراكهم بحوار معكم، تسمعون فيه آراءهم، وتسمحون ببعض من وقتكم لتشجيعهم، لأن هؤلاء الشباب هم المستقبل، ليس للأردن وحسب، أو لمنطقتنا، بل للعالم.
الحقيقة أن لا محدودية قرننا الحالي، لا تسمح لأي بلد أو منطقة بالازدهار بمعزل عن الآخرين. لكل بلد مسؤولية في العمل من أجل العدل، والسلام، والفرص. لكن النجاح سيتحقق في المحصلة عندما تعمل كافة الدول معاً لضمان تحقيق هذه المبادئ على نطاق عالمي. هذه هي الشراكة الحقيقية من أجل التنمية البشرية، شراكة تستند إلى القيم المشتركة والمصير المشترك، شراكة يشد من عضدها الالتزام بالاحترام المتبادل والحوار الصادق.
إن الشراكة العالمية والحوار، يشكلان قوة هذا المنتدى، وليس سراً أنهما أيضاً سلاح في الحرب ضد الفقر، والعوز والإرهاب. وكما تتجاوز هذه المشكلات حدود الأقاليم كذلك لا بد أن تتجاوز هذه الحلول تلك الأقاليم. إن منظوركم ورؤاكم العالمية بمثابة "القوة المضاعفة" التي تحتاج إليها الردود الحقيقية.
في حقيقة الأمر، يوجد في هذه القاعة لاعبون رئيسيون في التنمية العالمية. بعضكم منهمك في الالتزام العالمي لتقليص الفقر في أقل الأمم نمواً، وآخرون ينهمكون إلى جانب القطاع الخاص في جهود الحد من الكلفة الإنسانية للعولمة، ولضمان الوصول إلى منافعها. كذلك تعمل المنظمات غير الحكومية إلى جانب الشراكات العامة والخاصة بكفاءة أكبر من ذي قبل لمواجهة الأزمات والمشكلات العالمية.
في الأيام القليلة القادمة، أطلب منكم، أنتم القادمون من مجالات مهنية وبتجارب وطنية متعددة، أن تستقوا من نفاذ بصيرتكم ما يؤثر في أجندتنا الحالية. وإنني لعلى ثقة، بأننا بالعمل والتحدث والتعلم معاً، يمكننا إحداث التغيير.
أصدقائي،
لم يسبق لنا أن سيطرنا على مصيرنا كما نفعل الآن. ولم يسبق لنا أن حظينا بتوفر مثل هذه الخيارات الواضحة في أفعالنا وقراراتنا. وبالتأكيد، لم يحدث في أي مكان آخر قط، أن استمعنا بمثل هذا الوضوح إلى نداءات أولئك الذين يحتاجون دعمنا من أجل النجاح.
وبالدعاء من أجل بدايات جديدة، وبالإيمان بالحريات الجديدة، وبالأمل في شراكات جديدة.. فإن أبناء الأرض المقدسة يرحبون بكم.
وبالإنابة عنهم، أشكركم جزيل الشكر.