كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في الاجتماع السنوي العادي للمنتدى الاقتصادي العالمي
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك يا سعادة البروفسور وأشكركم جميعاً.
اسمحوا لي أن أعبر عن سروري بالانضمام إليكم مرة أخرى، والمشاركة في هذه الجلسات. إننا ممتنون جداً لكم يا سعادة البروفسور، لجعل هذا النوع من التبادل والتواصل العالمي قوة تشكل العالم في القرن الحادي والعشرين.
واسمحوا لي أيضاً أن أقول أن الأردنيين يفخرون جداً بشراكتهم مع هذا المنتدى. لقد استضاف وادي الأردن الاجتماع السنوي غير العادي الناجح للمنتدى في حزيران الماضي. ونحن نتطلع للترحيب بكم جميعاً، مرة ثانية في هذه السنة، عندما يجتمع المنتدى على شاطئ البحر الميت في شهر أيار القادم، وأنا أدعوكم للانضمام إلينا ومشاركتنا في التعبير عن تصميمنا المشترك لتجسير الهوة، وبناء الثقة والمضي قدماً بالرؤية الجديدة للسلام والأمن والازدهار.
أيها الأصدقاء،
يبدو أن كل اجتماع للمنتدى في هذه الأيام يأتي في وقت يحفل بتحدّ خاص، فقد مضى على انتهاء الحرب الباردة خمسة عشر عاماً، وما زلنا نكافح من اجل إيجاد عالم ينعم بالأمن والحرية. لقد القت الصراعات وأزمات الفقر والعنف والفرقة بظلالها على احلامنا وامالنا بالقرن الجديد. الا انكم ستسمعون في اجتماعات هذا الأسبوع، وفي منتديات اخرى في العالم، قدراً هائلاً من التوافق حول الحلول الجوهرية. فالناس يعرفون ما هو مطلوب وكيف يحققونه. في مجالات السياسة والاقتصاد والبيئة والعلوم والتكنولوجيا والمجتمع، تحقق تقدم عالمي رغم المشكلات التي يعاني منها العالم. إننا نتفق على الضرورة الملحة لردم هوة الانقسامات الاقتصادية والثقافية في العالم، وتوسيع قاعدة التنمية وبناء الديمقراطية. كما أن هنالك اتفاقاً واسعاً بنفس القدر حول القضايا الأمنية، وحول الحاجة للتصدي للصراعات الإقليمية ومواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل والاتحاد في مواجهة الإرهاب.
أيها الأصدقاء،
ومع ذلك، فلقد حان الوقت لتحويل الإجماع الأخلاقي الناشئ حول التنمية العالمية والأمن إلى إنجاز عملي وحقيقي. يجب أن يتحول الحوار العالمي الحالي الى شراكة من اجل العمل معاً ولإيجاد إرادة سياسية جديدة وآليات جديدة تجعل التزاماتنا حقيقة واقعة.
إن السلام والمساواة والعدل ليست مجرد أهداف سامية بل هي ضرورية وحاسمة كذلك لأمن كل بلد ولنجاح كل مشروع خاص ومؤسسة غير حكومية، ولفرص وآمال كل فرد. هذه هي الأسس لمجتمع عالمي منفتح ونحن نجازف بذلك العالم في كل يوم يضيع بالتراخي وعدم العمل.
إنني أؤمن بالتفاصيل لذلك اسمحوا لي باقتراح بعضها.
أولاً، حل الصراعات: إن التاريخ القريب في العراق وفي البلقان وفي أماكن أخرى ايضا يظهر بوضوح الحاجة إلى تقوية النظام السياسي التعددي. وتعزيز الهياكل الدولية بما يكفي للقيام بالمهمة التي نطلبها منها والمتمثلة في المساعدة بالتوسط لإيجاد السلام وبناء الامم.
علينا أيضاً ان ننسق بشكل وثيق الترتيبات الأمنية الدولية ضمن نهج جماعي من شأنه أن يسمح لنا بأخذ قصب السبق في وضع الأولويات في الحرب على الإرهاب.
وفي البعد الاقتصادي فإننا جميعاً نعرف أن توفير الفرص للناس قوة كبيرة لإعطائهم نصيباً في مستقبل ينعم بالسلام. ويقع على عاتقنا خلق نمو اقتصادي عالمي، وإيجاد منفذٍ إلى التعليم والتكنولوجيا، والأهم من ذلك توفير العدالة لنثبت للشباب أن عالمنا عالم نزاهة وانفتاح وأمل. نحتاج الى تعزيز أهداف الألفية للتنمية من خلال توفير منارات جديدة لتقييم التقدم وضمان تجارة أفضل وأكثر عدالة وإقامة روابط عالمية جديدة.
هذا النوع من الالتزام بالعمل المتصف بالتعاون والديناميكية حقيقي جداً بالنسبة للكثيرين منا في العالم العربي. إننا ندرك أن علينا أن نقوم بخطوات ملموسة في التنمية الانسانية من أجل شعوبنا ومستقبلنا. فمعدل النمو في المنطقة في هذه الأيام ابطأ مما عليه في الدول النامية الأخرى.
وفي الوقت ذاته، وحيث أن أكثر من نصف السكان العرب هم دون الثامنة عشرة، فإن حوالي ستة ملايين باحث جديد عن العمل ينضمون إلى قوة العمل سنوياً. واذا اخذ بعين الاعتبار أن معدلات البطالة حالياً تصل الى أكثر من 15% سنويا فان ذلك يعني أنه لا توجد فرص عمل كافية وبالتالي ليس هنالك أمل كاف.
يتوجب على جميع القطاعات أن تتصدى لهذه القضايا: حكم يتجاوب مع تطلعات شعبه ويعتمد الشفافية، ونظام تربوي مكرس لتحقيق التميز وقطاع خاص نشط يستطيع تسخير الإمكانيات البشرية الهائلة للمنطقة.
لقد جمع مجلس الأعمال العربي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي مؤخرا ممثلين عن القطاع الخاص من أرجاء المنطقة كافة. وقام المجلس الشهر الماضي في العقبة، بصياغة خطة عمل لدعم النمو الاقتصادي. وقد عرفت أنه تم هنا في دافوس تبني هذه الخطة التي تتضمن مبادرات للإصلاح التربوي والقضائي، ودعوة صريحة للحكومات بأن تلتزم بالانفتاح والحرية، فهذه هي الأسس لمجتمعات مبدعة ومزدهرة. كما إن مجلس الأعمال العربي يقوم ببناء الجسور مع القطاع الخاص في مختلف أنحاء العالم. ففي الشهر القادم سنلتقي وأعضاء المجلس في مؤتمر يلتئم في ماليزيا من اجل تعزيز الشراكة التي تم إنشاؤها حديثا مع مجموعة القادة الاقتصاديين الآسيويين الجد ، و هي مجموعة انبثقت عن المنتدى الاقتصادي العالمي وأعلن عنها هنا اليوم في دافوس بشكل رسمي.
ولكن كلنا نعرف ان الوصفات الاقتصادية بحد ذاتها لا تستطيع احداث نتائج بعيدة المدى اذا لم تقترن مع الانفتاح السياسي والاجتماعي. فروح المبادرة والتميز والابداع لا يمكن ان تصمد في المجتمعات المغلقة.
أيها الأصدقاء،
لا نستطيع التحدث عن النمو والاستقرار في منطقتنا، أو في العالم، ولا يمكننا القيام بعمل فعال من أجل الإصلاح والتنمية، دون معالجة الصراع الجوهري الذي يهدد عالمنا والمتمثل بدوامة العنف الطويلة والكريهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكما هو الحال مع هموم عالمية أخرى، يعرف العالم ما يتوجب عليه أن يفعله. في العام الماضي اعترف الطرفان والمجتمع الدولي بالمسار الذي طرحته مبادرة القمة العربية وخارطة الطريق. فهذه المبادرة توفر المبادئ والآليات الواضحة للحل العادل والدائم: دولتان آمنتان، انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، وتفكيك للمستوطنات، وعاصمتان في القدس، وحل متفق عليه لقضية اللاجئين. هذا هو الطريق الذي لا يمكن تجنبه لتحقيق السلام.
والآن، ومع كل يوم من التأخير، هنالك ضرر واذى يحيق بالمنطقة والعالم. بالنسبة للمعنيين فإن هنالك كثيراً من المخاطر: عائلات ومجتمعات تتحطم، وأمال الشباب تتلاشى أمام الفقر واليأس. وبالنسبة للمجتمع الدولي هنالك مخاطر كثيرة: مستقبل السلام العالمي، ومصداقية التزام العالم بالعدالة. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يحتمل السماح للانتحار الجماعي للفلسطينيين والإسرائيليين بأن يغذي الغضب والعنف في المنطقة والعالم. وهذا يعني رفض الإرهاب لكنه أيضاً يعني إدانة القمع. كما يعني أيضاً الاستمرار في تصميمنا على تحقيق سلام عادل ودائم. وهذا جهد يتطلب قيادة فاعلة من الولايات المتحدة، وتحالفاً دولياً جماعياً من أجل السلام. إنه يتفق مع رغبات الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين. وسوف يحشد دعم الدول العربية وأوروبا وراء القيادة الفلسطينية. كما أنه في الحقيقة سيقيس تصميمنا الجماعي على ترجمة الاجماع المعنوي العالمي إلى إنجاز عملي حقيقي.
أيها الأصدقاء،
نواجه اليوم تحديات في منطقتنا وفي كل أرجاء العالم، لكننا أيضاً نرى وعداً لم يسبق له مثيل. فالمليارات من الناس يقفون على عتبة إمكانيات جديدة، وهذا ما يجعل أي فشل أمراً مريراً جداً ويجعل الإحساس بالتغيير ضرورة ملحة.
بأيدينا اليوم أن نخلق لا الامال فقط بل الافعال ايضا: عصرا من السلام، ونموا اقتصاديا عالميا ومنفذاً واسعاً نحو التعليم والتكنولوجيا، والأهم من ذلك إيجاد عالم تسوده العدالة.
المستقبل ملك لأولئك الذين يرون العالم بكل أبعاده كأفق غير منقسم، كل نقطة فيه مركز، وفي كل مركز فرد يمتلك حق الإزدهار والنجاح، والعيش في سلام وأمن.
لذلك دعونا نتحدى الفصل والعزلة، ودعونا نتجنب صدام الحضارات، ونساعد على تلاقي الثقافات، ولنكن شركاء في السلام. ولكن فلنتصرف الآن.
شكرا جزيلا والسلام عليكم