رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة السيد بابا لويس فال
رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني
أطيب التحية،
في هذه المناسبة السنوية التي نؤكد فيها تضامننا مع الشعب الفلسطيني في كفاحه لنيل استقلاله، أوجه لكم، السيد الرئيس، ولأعضاء لجنتكم الموقرة، شكري العميق وتقديري الكبير لجهودكم الموصولة التي تبذلونها بدأب وثبات للمساهمة في تحقيق غاية إنسانية نبيلة، ألا وهي تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حياة طبيعية يتمتع فيها بالكرامة والأمل، والسيادة على أرضه، والتمتع بممتلكاته وثرواته الطبيعية.
إن من أهم مميزات تضامننا، على هذا الشكل، مع الشعب الفلسطيني، أنه يأتي ضمن إطار لجنتكم المنبثقة من صلب الشرعية الدولية التي تجسدها الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية. لذا فإن عمل لجنتكم يمثل مدى ارتباط القضية الفلسطينية بالشرعية الدولية من ناحية، كما يجسد الإيمان بحل النزاعات بالوسائل السلمية ضمن إطار هذه الشرعية. من هنا، فإن عمل لجنتكم هو، حقا، من أهم روافد كفاح الشعب الفلسطيني لنيل الحرية والاستقلال فوق ترابه الوطني، وهذا، حقا، عمل نبيل تقومون به.
لذا أحييكم، السيد الرئيس، أحيي أعضاء لجنتكم الموقرة، بنفس الروح التي أحيي بها كفاح الشعب الفلسطيني.
السيد الرئيس،
وفيما يتعلق بنا، نحن في الأردن، الجار الملاصق لفلسطين، فقد كنا منذ بدايات الهجمة على الشعب الفلسطيني ومقدراته، كنا مثلكم وما زلنا، نسعى من خلال الشرعية الدولية للحفاظ على حقوقه وتمكينه من الثبات فوق أرضه وممارسته لكامل حقوقه الوطنية. وظل تحركنا في الأردن منطلقا من التزامين أساسيين لا انفصام بينهما.. الالتزام الأول هو بمبدأ العدل والشرعية الدولية وبقرارات الأمم المتحدة، وأما الالتزام الآخر فهو بدعم شعب يدافع عن أرضه وحريته، ويربطنا به نسيج حضارة عربية عريقة من أهم سماتها رحابة انتمائها الإنساني، ورهافة نظامها القيمي والأخلاقي المتمثل في دياناتها السماوية الثلاثة.
وفي مجال العمل الدبلوماسي، وعلى الدوام، تميز سعي الأردن باختيار الشرعية الدولية مرجعا، وباعتماد الحوار السلمي وسيلة. ولم نكن أبدا ممن يعتقدون بأن القوة الخارجة عن القانون، تمثل أداة متحضرة لحل النزاعات. ومن هذا المنطلق تفاعلنا بإيجابية مع كل المبادرات السلمية ذات المرجعية القانونية. وكان هذا هو نهجنا أيضا فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن رقم (242) الصادر عام 1967 وهو قرار ينفي الشرعية عن اكتساب أراضي الآخرين بالقوة العسكرية. وما زال هذا القرار قائما، وذات مرجعية وثيقة الصلة بالوضع القائم فوق الأرض الفلسطينية المحتلة، وما زال من أهم مرتكزات العملية السلمية التي بدأت في مدريد عام 1991، كما أنه يمثل الخلفية القانونية والالتزام الأخلاقي التي تقف خلف رؤيا الرئيس الأميركي جورج بوش التي أطلقها في حزيران/ يونيو من العام الماضي بشأن التزام الولايات المتحدة بدولتين: دولة إسرائيل ودولة فلسطين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام، فوق أرض فلسطين التاريخية.
ومما يعطي التزام الرئيس بوش أهمية بالغة جدا، هو أن الولايات المتحدة أظهرت بوضوح، على مدى العقد المنصرم، التزاما واضحا بضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة، وخصوصا قرارات مجلس الأمن. لذا نحن متفائلون بجدية الولايات المتحدة، هذا بالرغم من العراقيل والذرائع التي تحاول تعطيل آلية تنفيذ رؤيا الرئيس بوش، وأعني بذلك محاولات تعطيل "خريطة الطريق".
وعلى ضوء الأوضاع المأساوية والمتدهورة التي نشاهدها على أرض فلسطين، من احتلال عسكري، وممارسات موتورة لآلة الحرب الإسرائيلية، من ناحية، ومن ردود فعل معاكسة، ومشابهة لها من حيث الاعتداء على المدنيين والأبرياء، من ناحية أخرى، بالرغم من الاختلاف الواضح بين حجم القوى المتنازعة والبون الشاسع بين وسائط إيصال أدوات القتل والتهديم بين الجانبين، فإن علينا أن نعيد "خريطة الطريق" إلى حيز التنفيذ فوق الأرض الفلسطينية، وهذا يتطلب من جميعا الالتزام والعمل الدؤوب. وفي هذا السياق، فإننا نثني على الجهود التي تقوم بها اللجنة الرباعية، وعلى المساعي الروسية لاستصدار قرار عن مجلس الأمن يتضمن ضرورة تنفيذ خارطة الطريق تحت رعاية ورقابة دوليتين.
وأما ما يتعلق بجدار الفصل الذي تقوم إسرائيل بإنشائه، أقول، إنه وكما استطاعت الإرادة الإنسانية التواقة للتواصل الإنساني والحضاري من اختراق أعلى الحواجز الجغرافية وأوسعها، جبالا كانت أم محيطات، فإنني لعلى يقين بأنه ما زال بين الشعب الإسرائيلي أفرادا وجماعات سيقاومون اقتران أسمائهم وتاريخهم ببناء جدار إسمنتي آخر مثل الجدار السابق الذي أسقطته عزائم أولئك التواقين إلى للتواصل الإنساني والحرية. ولكن، وإلى أن يزول حائط الفصل، فإنه يظل مصدر ألم، وتمزيق لنسيج مجتمع إنساني عريق في حضارته. لذا فإن علينا أن نفعل ما يمكننا لإيقاف زحف هذا الحائط الذي تقيمه إسرائيل فوق أرض، هي في الأساس، ليست أرضها.
وفي الختام، اسمحوا لي، السيد الرئيس والسادة أعضاء اللجنة الموقرة، أن أشكركم وأن أشد على أيديكم، لأنكم تساهمون في إذكاء الأمل بأن يشارككم آخرون نعمة الحرية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الله الثاني ابن الحسين