رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني الى سمو الأمير الحسن بن طلال
صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال
حفظك الله ورعاك
أبعث إليك بوافر المودة وجزيل المحبة وبعد،
فقد عرفت فيك منذ نعومة أظافري عما محبا بل أخا وفيا، إذ تربى كلانا في كنف المغفور له جلالة الحسين السيد العظيم، ونهلنا من عطائه الأسري الرحيم ومن فكره العربي الإسلامي القويم، كما واكبت نشاطاتك في المحافل الدولية خلال السنوات التي خلت، مثلما كنت قبل ذلك أراقب نشاطاتك في الشؤون الوطنية عونا للملك الراحل لعقود من السنين. حتى استقر ذلك موقع مميز في مجتمعنا وفي العالم بأسره، يقدر لك تميزك في أدائك وإخلاصك للمهام والمسؤوليات التي تنهض بها، كما اكتسبت في المحافل الدولية مكانا مرموقا بين رجال الفكر وفي صفوف النشطاء دفاعا عن مكانة الإسلام وحضارته وعن العرب وحقوقهم وأحقيتهم بالمكان الملائم بين الأمم، ورعيت تجربة كتابة تاريخ بلاد الشام وأوليت اهتمامك لما كتب من تاريخ الأمة بجميع اللغات، كما شملت نشاطاتك الدؤوبة الاهتمام بتيسير اللغة العربية للدارسين، والعمل على بلورة السمة الحضارية للأمة، وأبليت بلاء حسنا في تأسيس منتدى الفكر العربي قبل عقدين من الزمان، وارتقيت بأعماله حتى أضحى برئاستك يضم نخبة من رجال الفكر العربي من مشارق أرض العرب ومغاربها، يثري عطاؤها الفكري تراث الأمة ويسمو بمنزلتها في ميدان الفكر الإنساني. وسلكت طريقا قويما لإثراء الحوار بين أتباع الديانات في العالم، واعتنيت في الوقت نفسه بإنماء العلوم وأبحاثها في الوطن وفي نقل التكنولوجيا وتطويرها، حتى غدا المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا ومراكزه برئاستكم عنوانا للجهد الوطني في هذا المضمار.
وتشكلت لك بجهدك المتواصل شبكة من الأصدقاء والزملاء والمعارف في شتى أنحاء العالم، فتبوأت إضافة إلى مواقعك القيادية التي ذكرت، مناصب عالمية بينها رئيس نادي روما الذي يضم نخب المفكرين في العالم، ومقرر المؤتمر العالمي للديانات والإسلام، ومراكز أخرى لدراسات السلام.
ولا غرو في اندفاعك لأداء هذه المهمات الجليلة، فقد كتب علينا – نحن بني هاشم– أن نسلك هذه الدروب دفاعا عن الأمة منذ أن شرفها الله بمحكم التنزيل على خاتم الأنبياء والمرسلين، فله سبحانه الشكر الدائم من عباده الصالحين ولك عنده من مساعيك الأجر والثواب الكبير.
صاحب السمو الملكي، العم العزيز
ما زالت التحديات تواجه بلدنا وشعبه الوفي الكريم، والعقبات ما انفكت تعترض السبل التي نسلكها في سبيل النمو وتحسين معيشة شعبنا، الذي استحق ويستحق منا جميعا كل جهد لخيره ورخائه، والتحديات على تواترها مترابطة يؤثر العالمي والإقليمي منها على الوطني، وقد بذلت جهودك طيلة العقود الماضية في كافة المحافل والمنابر والميادين الدولية والإقليمية، فتوفرت بجهدك الدؤوب على خبرة فريدة واسعة، آمل أن تسهم فيما نحدده لكم في الاستعدادات الأردنية لمواجهة التحديات التي أشرت إليها.
ولما أعرفه فيك من غيرة هاشمية، أردنية، ومن حماس للعمل من أجل خير البلاد، فقد ارتأيت أن أعهد إليك باستئناف المشروع الحضاري الكبير في إدامة الحوار بين أهل المذاهب الإسلامية وتنشيطه من منطلق الفهم والتفاهم والقبول المتبادل كل أخوته في الدين، وكذلك تأدية مهمة عزيزة علينا، وهي إبراز الهوية الإسلامية على حقيقتها الوسطية التي أرادها الله لنا بقوله تعالى:
"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".
صدق الله العظيم
وليكن مشروعك الحضاري هذا منبرا تترأسه وترعاه، تنظم من خلاله ندوات للحوار بين الحضارات والثقافات، وأخرى للحوار بين أتباع الديانات تعمل على إثراء ندواتها بفكرك النير وعلى التواصل مع أتباعها وتوطيد العلاقات معهم، وبخاصة تقوية أواصر الأخوة التاريخية والتكافل والاحترام بين المسلمين والمسيحيين في بلدنا.
وبإمكانك من خلال هذا المشروع أن تتواصل مع مؤسسات آل البيت القائمة وتتفاعل معها وستتجاوب هذه المؤسسات للمساهمة في دعم جهودك إلى المدى الذي ترتأيه إضافة إلى مساهمات المؤسسات والمراكز التي تترأسها، فعلى بركة الله ولكم مني ومن حكومتي في سبيل إنجاح هذا المشروع المباركة والدعم، وللأخوة المثقفين والمفكرين الذين عملوا ويعملون معك الشكر والتقدير العميق.
ولا يفوتني أن أنوه أن اختيار عمان عاصمة عربية للثقافة للعام 2002 كان نتاج الأعمال الثقافية والفكرية التي أثريتها بأعمالك ونشاطاتك إلى جانب نتاج المؤسسات الثقافية والفكرية الأردنية الأخرى، مما دفع بعمان إلى صفوف متقدمة في المسيرة الثقافية العربية، وفي هذا الصدد يطيب لي أن أرحب بالمفكرين والمثقفين العرب الذين سيشاركون في برنامج العام القادم احتفاء بهذه المناسبة.
وإنني إذ أدعو الله لك بالتوفيق في مهماتك الجسام لأحيي فيك الأصالة الهاشمية وروح الصبر والمثابرة والغيرة على عقيدة الأمة وإسهاماتها الحضارية والإنسانية العظيمة.. ولك مني خالص المحبة والمودة والتقدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الثاني ابن الحسين