رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني الى رئيس الوزراء عبد الرؤوف الروابدة لتشكيل لجنة ملكية لحقوق الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ عبد الرؤوف الروابدة حفظه الله ورعاه
رئيس وزرائنا الأفخم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فيسرني أن أزجي إليك وزملائك أعضاء مجلس الوزراء بتحية التقدير والاعتزاز بجهودكم المخلصة الدؤوبة وعطائكم المتميز، في سبيل رفعة الأردن وإعلاء بنيانه، وتجاوز كل ما يعترض مسيرته الخيرة من عقبات وتحديات، وقد عملت وزملاؤك طيلة العام الماضي بمنتهى الجدية والحرص على النهوض بالواجب، بعزيمة ماضية وثقة مطلقة بقدرة الإنسان الأردني على تحقيق أعظم الإنجازات، بأقل الموارد والإمكانيات، فبارك الله فيكم جميعا على ما قدمتم وأعطيتم، ولكم مني كل الدعم والمؤازرة والإسناد.
دولة الرئيس،
لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بشرف حمل أمانة المسؤولية الأولى في الأردن العزيز، وقد استقر في وجداننا منذ أن نشأنا في كنف المغفور له الحسين الباني، وتربينا على يديه، إننا ورثة للقيم الإنسانية النبيلة التي حضت عليها رسالة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، التي كانت من أجل تحرير الإنسان وتكريمه على سائر المخلوقات.
وقد كان الحسين طيب الله ثراه، قد أورثنا محبة الناس والحرص على احترامهم وصون حقوقهم وكرامتهم، وهو الذي رفع شعاره العظيم "الإنسان أغلى ما نملك"، وقد سعى طيلة حياته رحمه الله إلى تجسيد هذا الشعار وترجمته إلى واقع، فكان الإنسان بالنسبة له الاستثمار الأساسي طيلة مدة حكمه، وقد نذر نفسه لتوفير أسباب الحياة الحرة الكريمة، للمواطن الأردني، فتحققت بذلك كل هذه الإنجازات الجليلة في التربية والصحة والخدمات العامة، والتي جعلت من الإنسان الأردني إنسانا متميزا يعتز بكرامته ويفخر بانتمائه لهذا الوطن، وولائه لهذا العرش.
وتجسيدا لهذا الهدف النبيل فقد كان الحسين حريصا على الدوام على رعاية حقوق الإنسان وحرياته، وضمان مسيرة ديمقراطية تطلق طاقات الإنسان، وتفتح أمامه سبل الإبداع والمشاركة في تصريف جميع شؤونه. ولئن وقفت الظروف الطارئة التي مر بها هذا الوطن، حينا من الزمن دون اكتمال المسيرة الديمقراطية، فقد اغتنم رحمه الله أول فرصة سانحة، فأعاد للمواطن الديمقراطية بأبهى صورها، وها هي تتجذر في جميع مجالات الحياة رغم كل الصعوبات والمعيقات، ورغم كل محاولات الانتقاص منها بدعوى الحدب عليها.
دولة الأخ الرئيس،
إننا بعون الله سائرون على الطريق الذي سار عليه الآباء والأجداد، مهما غلا الثمن أو عظمت التضحيات، نعمل بمنتهى الجد والإصرار على توفير أسباب الحياة الحرة الكريمة لشعبنا المعطاء، وسنبقى على الدوام نصر على استكمال بناء مجتمع العدالة والمساواة، وسيادة القانون، وصون كرامة الإنسان، وحماية الحريات العامة وحقوق المواطنين، في مناخ من الأخوة والتسامح والتراحم بين أبناء أسرتنا الأردنية الواحدة الكبيرة.
ونحن ندرك أن المرأة نصف المجتمع، وشريكة الرجل بحاجة إلى عناية خاصة، تحفظ لها حقوقها، وتمكنها من التعبير عن نفسها، وممارسة دورها الفعال في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية، ولا بد من فتح مجالات العمل الواسعة أمامها، وإزالة كل المعيقات التي تحول بينها وبين ممارسة دورها الرئيسي في بناء المجتمع المتكامل السليم.
أما الفئة الثانية من مجتمعنا التي ما زالت بحاجة إلى المزيد من الرعاية والاهتمام، فهي فئة الأطفال، ولذا فإننا عازمون على تعزيز الجهود التي تبذل من أجل حماية حقوقهم ومنع الإساءة إليهم، بأي شكل من الأشكال، والعمل على توفير العناية الطبية، والرعاية التربوية التي تكفل لهم النمو الطبيعي المتكامل.
ونحن نؤمن أن الشباب هم عدة المستقبل وبناته، وأن لهم علينا حق الرعاية والاهتمام، وعلى هذا الأساس فلا بد من العمل على إعدادهم، وتوفير فرص التعليم الذي يناسب إمكانياتهم وميولهم وقدرتهم على التميز والإبداع، وإطلاق طاقاتهم ومواهبهم في مجالات العمل والبناء، وتوفير سبل الترفيه البريء لهم الذي يشغل أوقات فراغهم، وينمي هواياتهم، ويزيد إسهامهم في العمل المنتج البناء.
لقد كانت هذه الأفكار في ضميري ووجداني منذ وقت طويل، وبالأمس وأنا أؤدي فريضة الحج، واستحضر كل تلك المعاني النبيلة التي تجسدها شعائر هذه الفريضة. وفي مقدمتها التضحية والفداء، وتحرير الإنسان من كل أشكال العبودية، وإعلان عبوديته لله وحده، كانت تلك الأفكار أكثر ما تكون وضوحا في نفسي، وعقدت العزم على أن أوجه إليكم هذه الرسالة لترجمة هذه الأهداف النبيلة إلى واقع ملموس.
دولة الأخ الرئيس،
إن سجلنا في مجال حقوق الإنسان ناصع والحمد لله، فحرية الإنسان وحقوقه وكرامته، كانت وستظل بعون الله أمورا مقدسة ولن نسمح لأحد مهما كان موقعه، وتحت أي ذريعة كانت، أن يسيء إلى صورة هذا الوطن وسمعته بالتطاول على أي من هذه المحرمات.
وسيكون ديدننا ترسيخ تلك الحقوق وحماية ممارستها من أي سلطة أو جهة تحاول الإساءة لها، بالتسلط أو الإرهاب الفكري أو المزاودة، رائدنا في ذلك الاهتداء بإرثنا الحضاري وموروثنا الهاشمي.
وبهدف تعزيز هذه الحقوق، وإجراء الدراسات الجادة المعمقة للتشريعات والإجراءات، والممارسات التي تحول دون التمتع الكامل بهذه الحقوق، ووضع التوصيات التي تسهم في حمايتها وصونا وذلك بالاستناد إلى مواثيق حقوق الإنسان، فقد قررنا تشكيل لجنة ملكية لحقوق الإنسان، آملا أن تقدموا لنا أسماء الذوات من أبناء الوطن وبناته، من الذين عرفوا بقدرتهم ورغبتهم في القيام بهذا الواجب النبيل، في أسرع وقت ممكن.
سائلا المولى عز وجل أن يوفقك وزملاءك أعضاء مجلس الوزراء لما فيه الخير لوطننا وشعبنا الوفي العطاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الله الثاني ابن الحسين