كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حول الأمن الإقليمي - ((حوار المنامة السابع))
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك جون، وأشكركم جميعا. أنا سعيد لوجودي بينكم اليوم. واسمحوا لي أن أعرب عن بالغ التقدير لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ولسمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، مضيفينا الكريمين، والقيادة المُلهِمة لهذا الملتقى الإقليمي المرموق.
أصدقائي،
منذ آلاف السنين ومنطقتنا في قلب الأحداث العالمية. واليوم يلتقي مستقبل العالم وماضيه هنا. وليس مستقبل دولنا فقط، بل مستقبل المجتمع الدولي بأسره، سيتحدد وفق المسارات التي نقرر سلوكها: من أجل تمكين الملايين من الشباب اقتصادياً وسياسياً، من أجل انتصار الاعتدال واحترام الآخر على الانقسام والعدوان، ومن أجل تنامي الفرص وانتشار الازدهار في مجتمعاتنا كافة.
ليس كافيا أن نتفادى الأخطار، علينا أن نبادر بالأفعال الإيجابية، لنوجد الملايين من فرص العمل الجديدة، ونرتقي بمستوى معيشة شرائح أوسع من شعوبنا، ونطور مهاراتهم ونفتح آفاق المعرفة أمامهم، ونضع حداً للكلفة الباهظة التي ندفعها جراء الحروب والفرقة. وهذه ليست مجرد تحديات اجتماعية، بل إنها، كما تعلمون جميعا، عماد سياسات الأمن الوطني.
وهي تحديات حقيقية. لكن مواطن قوتنا كثيرة أيضا. فالعالم العربي يتمتع اليوم بموارد وإمكانات بشرية هائلة، بالإضافة إلى تاريخ طويل من الانفتاح على العالم، وتراث متجذر من المسؤولية الاجتماعية والعدالة. وهذه أدوات يمكننا استخدامها، بل يجب علينا استخدامها، لبناء مستقبل الشرق الأوسط. لكن توحيد جهودنا هو شرط النجاح.
أيها الأصدقاء،
لن تنعم منطقتنا بالأمن والاستقرار إلا إذا استطعنا حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتوصل العرب والمسلمون والإسرائيليون إلى السلام. ونحن ملتزمون بتحقيق ذلك. فمبادرة السلام العربية لا تعرض نهاية للصراع فقط، بل إنها توفر فرصة لتحقيق السلام الدائم الذي سيتيح لإسرائيل بناء علاقات طبيعية مع 57 دولة عربية وإسلامية، وتحرر منطقتنا من خطر الحرب والصراع.
لكن هذه الفرصة لن تبقى إلى الأبد. فثمة تغيرات جغرافية وديموغرافية تهدد جوهر هذه المبادرة، وهو حل الدولتين، الذي يضمن للشعب الفلسطيني الحرية والدولة، بعد أن طال حرمانه من حقه بهما، والذي يكفل لإسرائيل الأمن الذي تطلبه.
إن المخاطر التي تحيط بنا جسيمة. فاستمرار الفشل في التوصل لحل الصراع، سيؤدي إلى تلاشي الإيمان بالمفاوضات سبيلا وحيدا لتحقيق السلام والعدالة. وإذا ما انعدم الأمل، ستسود قوى التطرف، وستغرق المنطقة في دوامة بشعة من الحروب وانعدام الاستقرار، تهدد الأمن في المنطقة وخارجها.
ولهذه الأسباب، يجب أن ننقذ الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالمحادثات انطلقت في واشنطن في أيلول الماضي في جو ساده التشاؤم. وكنّا جميعا ندرك مدى صعوبة إعادة بناء الثقة بين الجانبين والتقدم في المفاوضات. لكننا كنا نعي أيضا أن هناك ثمنا باهظا للفراغ في جهود السلام. وأملنا بأن تتوصل جميع الأطراف إلى قناعة بأنه لا يمكن استمرار الوضع الراهن، لأن ذلك يعني الانزلاق نحو الظلام.
لكن المحادثات واجهت أزمة، حتى قبل أن يبدأ الطرفان في بحث المواضيع الأساسية. فإسرائيل لم تقبل أن تمدد قرار تجميد بناء المستوطنات، ولم يكن من الممكن أن يستمر الفلسطينيون في المفاوضات في الوقت الذي يغير فيه الاستيطان الحقائق على الأرض، ويقوض فرص قيام الدولة الفلسطينية.
يمكننا، بل يجب علينا، إنهاء حالة الجمود هذه. ولا نحتاج لحلول جديدة لتحقيق ذلك. المطلوب هو الإرادة والالتزام والشجاعة لاتخاذ القرارات الصعبة. فبناء المستوطنات يجب أن يتوقف، وعلى الأطراف العودة للمفاوضات لبحث الحدود، والأمن، واللاجئين، والقدس، وقضايا الوضع النهائي الأخرى، وفقط من خلال مثل هذه المفاوضات الجدية، سنتمكن من الوصول إلى حل للصراع، على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بأمن وقبول، في منطقة يعمها السلام.
البديل هو صراعات جديدة ستتفاعل خارج حدود الشرق الأوسط، صراعات ستهدد المصالح الوطنية الإستراتيجية للولايات المتحدة وأوروبا، وكل المجتمع الدولي، الذي بات طرفا في أكثر من صراع في المنطقة، والذي سيتورط بالتأكيد في المواجهات الجديدة، التي ستندلع في هذه البيئة التي يسودها الإحباط والتوتر.
أيها الأصدقاء،
يتوجب علينا، من أجل مستقبل منطقتنا والعالم على حد سواء، أن نساعد الأطراف على التوصل إلى السلام. فلا شيء يبرر الاستمرار في إتباع السياسات الراهنة وكأن الأمور تسير على ما يرام. وأنتم المشاركون في حوار المنامة، تدركون مدى خطورة القضايا الأمنية التي نواجهها، وأنه إذا ما أردنا إيجاد حلول للتحديات المطروحة على أجندة أعمالكم هنا هذا الأسبوع، فإنه يجب أن يسود الأمن والسلام منطقتنا.
وأثق بأنكم قادرون هنا وفي الأيام القادمة، على العمل من أجل تهيئة الظروف الدولية والإقليمية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. وأدعوكم إلى أن تسهموا بحكمتكم في إيجاد الحلول للتحديات التي تواجهها المنطقة. مع أمنياتي لكم بوافر النجاح.
وشكرا لكم.