خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة الأولى لمجلس الأمة الرابع عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربي الهاشمي الأمين
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فباسم الله، وعلى بركة الله عز وجل، وتعزيزا لبناء أردن ديمقراطي وعصري، وتأكيدا لاستمرار مسيرتنا الديموقراطية، وتجسيدا لالتزامنا بها، وفي سبيل تحقيق رؤيتنا الواضحة، لأردننا العزيز، والذي لا بد أن يكون، بعزمكم وبعزم شعبنا، نموذجا للدولة العربية الإسلامية الديموقراطية، القائمة على العدل والمساواة، في ظل سيادة القانون، وغنى التعددية السياسية، واحترام حقوق المواطنين، وعلى ضوء كل ما سبق، وبعونه تعالى نفتتح الدورة العادية، لمجلس الأمة الرابع عشر.
هذا الحدث الدستوري الذي نشهده اليوم، هو مصدر لاعتزازنا، لأنه المجلس المنتخب الأول في عهدنا، والذي تناط به مسؤولية أساسية، في تحقيق رؤيتنا لتعزيز منعة الأردن، وتحقيق ازدهاره ورخائه، خلال السنوات العشر المقبلة، وقد عقدنا العزم على التغيير والتطوير، وأخذ زمام المـبادرة دون تردد، مهما كانت الصعوبات حتى تظل جذور الأردن، راسخة وثابتة، في محيطه وفي العالم، فالأردن في رسالته الهاشمية، هو الأردن الرائد، الأردن المثل والقدوة.
إن انعقاد مجلسكم الكريم اليوم، هو اكتمال للبناء المؤسسي، المنسجم مع الدستور، والذي يؤكد دوركم التشريعي والحيوي، كما يمثل من خلالكم تطلعات أبناء الأردن وبناته، ويجسد طموحاتهم وآفاق الغد الزاهر، وهو يهيئ الفرصة الدستورية، لخطاب العرش، الذي أردناه هذا العام، خطابا يرسم رؤيتنا لمستقبل هذا الوطن الغالي، والذي تعزز بإرادة شاملة، كرست "الأردن أولا" وطنا جامعا لأبنائه وبناته كافة، والذين يسعون دون كلل أو ملل، لصون وحدته، ولكي يكون السـند القوي، والقاعدة الراسخة لكل قضايا العرب، ولكل أشقائه، الذين يحققون القوة بقوته، والعزة بعزته.
وعلى خطى وعدنا وإيماننا بمبدأ "الأردن أولا"، يمثل مجلسكم الكريم، مستقبل أبنائنا وبناتنا، وأطفالنا في البادية والريف، وفي القرية والمخيم والمدينة، لذلك نريده مجلسا تشريعيا، متميزا في أدائه، ومرجعا تستعين به حكومتنا، أثناء وضع خططها الشاملة، وبرامجها الوطنية، لتحقيق التغيير الإيجابي، وتلبية طموحات شبابنا وآمالهم، من "الأردن أولا"، إلى الأردن حاضرا ومستقبلا.
إن رؤيتنا، لأردن المستقبل، تقوم على أساس راسخ، قوامه أن الأردن بلد ديموقراطي عصري، وجزء أصيل من أمته العربية والإسلامية، يعتز بانتسابه إليها وبهاشميته العريقة، وهو ملتزم بقناعة تامة، بإبراز هذه الصورة المشرقة والحقيقية للإسلام، عقيدة وممارسة، وذلك في سبيل تعميم "الأردن"، كنموذج حضاري في التسامح، وحرية الفكر والإبداع والتميز.
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
إن هدفنا هو التنمية الشاملة، التي نراها أساسا ضروريا، للازدهار والرخاء، لذلك نسعى لتحقيقها عبر التكامل والتلازم، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولإنجاز هذه التنمية، لابد أن نتخذ منهجية، تتميز بالحداثة والمبادرة، ولا تقع فريسة للروتين والتسويف، وهذه الرؤية تستند إلى قواعد وآليات جديدة، ومن أبرزها:
أولا: تكريس مجتمع التكافل والتعاون، على قاعدة ثابتـة، من العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، عبر اعتماد مبدأ النزاهة والشفافية، وذلك في سائر ميادين العمل والإنتاج، والاحتكام إلى سيادة القانون على الجميع، دون محاباة ولا تمييز.
ثانيا: تفعيل طاقات المجتمع، وإشراك الجميع في عملية التنمية، وبخاصة الشباب والمرأة، التي يجب أن تتوفر لها كل الإمكانيات اللازمة، والحقوق المستحقة، من أجل مشاركتها الكاملة، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالتغيير المنشود لا يتحقق إلا عبر تحفيز الشباب الأردني، والإصغاء إلى آرائهم، لأنهم عماد الغد، ومادة التغيير، وعلى هذا الأساس، يجب تعزيز دورهم، وتوفير فرص العمل لهم، وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم.
ثالثا: تعميم الثقافة الديموقراطية، التي ترتكز على مبدأ الحوار، واحترام الرأي الآخر، وتقبل الاختلاف مصدر غنى، لا مبرر للخلاف، والالتزام بما تقرره الأكثرية، بعيدا عن التطرف والمغالاة، والقول باحتكار الحقيقة، لجهة دون غيرها، ذلك أن قبول الآخر، والاعتراف بحقه في التعبير، واختلاف الرأي، هو الطريق الصحيح، لإبراز التوافق الشامل، لتطلعات الأردنيين والأردنيات، ولتحقيق آمالهم وطموحاتهم، ومن على هذا المنبر الديموقراطي فإنني أدعو إلى حوار وطني شامل، يفضي إلى مؤتمر وطني، يبحث في مختلف القضايا، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويدرس الحلول الناجحة لها.
رابعا: إن إنجاز التنمية الشاملة، يستلزم أيضا تطوير الجهاز القضائي، المحصن بالاستقلالية، والنزاهة والحياد، كما ينبغي لنا النهوض بقطاع الإعلام، ليكون إعلام الدولة العصرية، القادر على تبني قضايانا الوطنية، في بيئة تسودها التعددية والحرية المسؤولة، كما يتوجب علينا دعم المركز الوطني لحقوق الإنسان، ليقوم بواجبه في حماية حقوق المواطنين ورعايتها.
خامسا: إن الأردن النموذج، المثال والقدوة، والذي هو قوام رؤيتنا، يحتاج إلى عقلية جريئة، تعتمد التغيير الجذري، لأساليب التفكير، وآليات اتخاذ القرار، لكي نتجاوز الحلول التقليدية والجزئية والآنية، ونرقى بها إلى خطط وبرامج استراتيجية طويلة المدى، ترتكز على رؤيتنا لمستقبل هذا الوطن.
وعلى ما تقدم، فإن حكومتي ستنهج طريقا إصلاحيا، اقتصاديا واجتماعيا، واضح المعالم، شمولي التخطيط، يعتمد أساسا على مواردنا الذاتية، واستخدامها على أفضل وجه.
وبذلك فالحكومة مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، للعمل الدؤوب، لزيادة نسبة النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل للشباب، والحد من مشكلتي الفقر والبطالة. ولتحقيق هذه الأهداف، يتوجب علينا الإسراع في تطوير برامجنا التعليمية، وربطها بسوق العمل، وبرامج التدريب المهني، وتبني استراتيجية طموحة، لتنمية المحافظات، بمشاركة فاعلة من المجتمعات المحلية، كما يتوجب عليها أيضا توفير البيئة الاستثمارية، القادرة على جذب رؤوس الأموال، ونقل التكنولوجيا وتوطينها، وذلك بهدف الإسراع، في تطوير الاقتصاد الوطني، من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد حديث، قائم على العلم والمعرفة والإنتاجية، كما يتوجب علينا، توفير الرعاية الصحية والاجتماعية للأطفال، لكي ينشأوا في بيئة اجتماعية صالحة، تؤهلهم للاندماج السليم في مجتمعهم، وتمكنهم من بناء مستقبلهم.
لقد آمنا دوما، أن التنمية لا تتحقق دون مساهمة الجميع، ولذا فإننا من على هذا المنبر، ندعو القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني، رغم أدائهم الناجح، إلى المزيد من المبادرة والجرأة، لقيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
إن واجب القطاعات الشعبية، ومؤسسات المجتمع الأهلي، ومنابر الحوار والفكر، أن تستجيب إلى دعوتنا هذه بإخلاص، لتعمل على إحداث تحول إيجابي وجذري، في مسيرتنا الديموقراطية، عبر إطلاق حركة حزبية وطنية حقيقية، هاجسها "الأردن أولا"، وتستمد شرعية وجودها، من التزامها بقضايا الوطن، وحاجات الإنسان الأردني وتطلعاته، فنحن نؤمن أن وجود الأحزاب السياسية، ومن ضمنها أحزاب المعارضة الوطنية، أمر حيوي وضروري للدولة العصرية، ونحن نتطلع إلى اليوم الذي تكون فيه أحزاب المعارضة الوطنية المنتمية، شريكا في صنع قرارنا الوطني، لذا يقتضي أن تكون لهذه الأحزاب، برامج وطنية متكاملة وشاملة، وأن تنشأ وتنطلق عبر قواعد شعبية، وليس من خلال أشخاص أو فئات جمعتها المصالح الآنية، لتكتسب أحزابنا، المصداقية والقدرة على إحداث التغيير المنشود.
إن مجلسكم الكريم، وبالتعاون مع السلطة التنفيذية، قادر على الإسهام في النهضة الوطنية، مع التأكيد على دوره في الرقابة والإشراف على تطبيق القوانين، ومحاربة الفساد والمحسوبية والواسطة، تماما كما هو دور النائب المثالي، يقدم المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية، لأبناء دائرته الانتخابية، أو أقاربه ومعارفه.
أما قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، التي نسجل لها بكل الاعتزاز والتقدير، دورها الدائم في حماية الوطن وصون أمنه واستقراره، وإسهامها الكبير في مسيرتنا التنموية، فلا يجوز التجني عليها، أو الانتقاص من دورها وتضحياتها، وسيبقى الاهتمام بها ورعايتها على رأس أولوياتنا الوطنية، وستحظى مني شخصيا، بالمتابعة والإشراف على تحديث قدراتها، ورفع مستوى أدائها، والالتزام بتحسين أوضاع منتسبيها وعائلاتهم، حتى تنهض بمسؤولياتها الوطنية والإنسانية الجسيمة، بمنتهى الكفاءة والتميز والاقتدار.
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
إن التحديات الجسام، التي تواجه أمتنا العربية، تدعونا لمراجعة الكثير من مواقفنا، لتحقيق عزة هذه الأمة العظيمة، وذلك انطلاقا من دورنا الهاشمي الأصيل، الراسخ الجذور، والذي يحتم علينا الريادة والمبادرة، فقضية فلسطين وشعبها الشقيق، وسعي العراق نحو مستقبل أفضل، هما في وجدان الأردن وضميره، ولن نتوانى يوما، أو ندخر جهدا، حتى تتحقق العدالة في فلسطين والعراق، وتكون للشعبين الشقيقين، الإرادة الحرة المستقلة، وإننا على ثقة تامة، أن الإنسان الأردني، الذي تحدى كل الصعوبات، ونجح في بناء الدولة الأردنية الحديثة، قادر على تحقيق رؤيتنا للمستقبل المشرق، والغد الزاهر، وذلك ضمن قدراتنا بإذن الله.
والله عز وجل ولي التوفيق،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،