خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة شرم الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة رئيس القمة
أصحاب الجلالة والسيادة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فقد تم انعقاد هذه القمة في أصعب الظروف والتحديات التي تواجه أمتنا والتي تستدعي التعامل معها بأقصى درجات الحكمة والواقعية والشعور بالمسؤولية تجاه شعوبنا التي عانت من ويلات الحروب وآثارها طيلة العقود الماضية.
فنحن اليوم أمام قضية تنذر بحرب وشيكة على العراق ولن يكون الشعب العراقي الشقيق وحده الذي سيعاني من تبعات هذه الحرب وآثارها المدمرة بل ستعاني منها شعوب المنطقة بأسرها.
والتحدي الرئيس المطروح على هذه القمة هو كيف نمنع وقوع هذه الحرب وكيف نجنب العراق وشعوب المنطقة المزيد من الكوارث والدمار.
وانطلاقا من هذه القناعة فقد عمل الأردن كل ما يستطيع واستخدم كل علاقاته الدولية لإيجاد تسوية سياسية لهذه القضية كما بذل الأردن جهودا كبيرة مع الرئيس الأمريكي وإدارته لإقناعهم بضرورة عدم استخدام القوة وتسوية هذه الأزمة بالطرق السلمية.
والأردن اليوم يؤكد على خطورة الوضع، ويحذر من إمكانية تقسيم العراق إذا ما وقعت الحرب. وبالرغم من أن فرصة تجنيب العراق والمنطقة شبح هذه الحرب أصبحت ضعيفة إلا أن هذا يجب أن لا يمنعنا من مواصلة الجهود المخلصة للحيلولة دون وقوعها.
وعلى هذا الأساس، فإن الأردن يؤكد على ضرورة دعم وتأييد أي جهد يساعد على تجنيب العراق أي عمل عسكري وعلى استخدام كل الوسائل الممكنة لتجنيب المنطقة آثار هذه الحرب وعلى ضرورة تسوية هذه الأزمة بالطرق السلمية وإعطاء الوقت الكافي للمفتشين الدوليين لإنجاز مهماتهم، كما يؤكد على أهمية استمرار تعاون العراق مع الأمم المتحدة وتنفيذ كافة القرارات الدولية ذات العلاقة بما فيها القرار 1441 تفاديا لحدوث الضربة العسكرية التي أصبحت وشيكة.
وإذا كان التركيز الآن على ضرورة إلزام العراق بتطبيق القرارات الدولية ذات العلاقة، فإن الأردن يطالب بتطبيق ذلك المبدأ على الصراع العربي الإسرائيلي حتى تكون منطقة الشرق الأوسط بكاملها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد حرص الأردن على بذل كل جهد ممكن من أجل إطلاق عملية السلام من جديد وعلى التشاور والتنسيق مع الأشقاء العرب لإخراج المبادرة العربية والتي تم تبنيها بالإجماع، حيث أكدت هذه المبادرة على ضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وعلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإيجاد حل متفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194 وتلبية الاحتياجات الإسرائيلية فيما يتعلق بموضوع الأمن.
وقد أسهم الأردن مع باقي الدول العربية بعد إطلاق هذه المبادرة في إحداث تحول جذري في الموقف الأمريكي بحيث أصبح التركيز على البعد السياسي والحل النهائي بدلا من التركيز على النواحي الأمنية فقط، وقد تجسّد هذا التحول في خطاب الرئيس الأمريكي حول رؤيته لإحلال السلام في المنطقة عن طريق وجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية بحلول منتصف عام 2005، وقد كان هذا الخطاب المرة الأولى التي تتحدث فيها الولايات المتحدة عن قيام دولة فلسطينية، ضمن فترة زمنية محددة، ثم واصل الأردن جهوده من أجل ترجمة الالتزام الأمريكي والإجماع الدولي على قيام الدولة الفلسطينية خلال ثلاث سنوات إلى خطة عملية قابلة للتنفيذ من خلال مشاركته في وضع بنود خارطة الطريق التي تحدد الالتزامات لكل من الطرفين والبرامج الزمنية المحددة لتنفيذ هذه الالتزامات وآلية الرقابة والتقييم التي تتولاها الهيئة الرباعية الدولية لضمان حسن التنفيذ وعدم التنصل من الوفاء بهذه الالتزامات.
كما عمل الأردن على إدخال بعض التعديلات الضرورية على هذه الخارطة لضمان الحقوق العربية المشروعة باعتبار هذه الخارطة ستمثل الأساس الصحيح لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بعد إقرارها من الهيئة الرباعية.
وبناء على ما تقدم، فإن الأردن يؤكد على ضرورة قبول خارطة الطريق بعد إعلانها كحزمة واحدة فلا يجوز لأي طرف من الأطراف أن يقبل بعض بنودها ويرفض البعض الأخر كما تفعل إسرائيل الآن، فهي تقبل بالخارطة من حيث المبدأ، لكنها تعترض على الجدول الزمني وتجميد المستوطنات وآلية المراقبة وهذا ليس قبولا بالخارطة وإنما هو نسف لها من أساسها.
وقد أكد الأردن للولايات المتحدة أنه لا مجال لتنفيذ هذه الخارطة إذا لم تلتزم جميع الأطراف بقبولها كحزمة واحدة، ونحن نؤكد اليوم على ضرورة الإعلان عن هذه الخارطة وتحقيق الالتزام الدولي بتنفيذها بالسرعة الممكنة، بعد أن اتخذت الولايات المتحدة قرارها بتأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
إن العالم من حولنا ينظر إلى هذه القمة باهتمام كبير ولا بد لنا من التأكيد في قمتنا هذه على أهمية دعم مبادرة سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز لتفعيل العمل العربي المشترك، وعلى أن من حق شعوبنا وشعوب المنطقة بأسرها أن تنعم بالأمن والسلام والتنمية، وأن الفرصة ما زالت موجودة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي والقضية العراقية بالطرق السلمية وبالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية التي يجب أن تكون المرجعية الأولى لتسوية أي صراع في أي مكان في العالم بتطبيقها على جميع الدول دون استثناء أو تمييز ودون استقواء من أي طرف على الطرف الأخر.
وفي الختام، أتوجه بالشكر إلى الجمهورية اللبنانية وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين وجامعة الدول العربية على الجهود الخيرّة التي أسهمت في انعقاد هذه القمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.