خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني لدى تسلمه جائزة الشجاعة السياسية التي منحتها لجلالته جمعية السوربون الفرنسية للسياسة الدولية ومجلة السياسة الدولية لشجاعته ورؤيته لمستقبل الشرق الأوسط
السيدات والسادة الوزراء
أصدقائي الأعزاء،
إنه لشرف عظيم لي أن أكون اليوم معكم. باسم الأردنيين كافة وكل العرب.. الذين يعملون من أجل السلام والتسامح والعدل، أقبل هذه الجائزة بغبطة عظيمة وامتنان عميق.
أصدقائي، أشكركم..
إنكم من خلال هذه الجائزة المميزة تكرمون شعبي وشعوب منطقتي الشجاعة، التي تعمل على خلق رؤيا ومستقبل جديدين. والأكثرية من بينهم من الشباب، رجالاً ونساءً مصممون على المساهمة في قرننا هذا وبالوعد الذي يحمله. وكيف يكون مستقبلنا، وكيف يكون حاضرنا، دون مواهبهم وحيويتهم وقيمهم القوية الإيجابية، وإحساسهم بالممكن وبالأمل؟ بالنسبة لي ليست الشجاعة وحدها، بل هو الواجب، الذي يدفعني إلى رعاية هذه الهبات والحفاظ عليها - للمساهمة في إيجاد الأوضاع والمواقف التي تتيح لأبنائنا الازدهار والتفاعل والإبداع وتحقيق أحلامهم.
وبالطبع، ليس هناك شعب في القرن الواحد والعشرين يقف وحده. فرنسا والأردن، أوروبا والشرق الأوسط، كل الأمم وكل المناطق - تتشارك في تكوين وتشكيل حقبتنا.
لقد منحت تلك المسؤولية شعوب العالم خياراً حاسماً فهنالك من ناحية، تصور للحرية والانفتاح، لمجتمع إنساني يقوم على احترام الآخرين، والفرص المتزايدة، ومن ناحية أخرى، هنالك عالم من العنف والفوضى، مبني على الانقسام والتآكل.
إذا ما كان لقرننا هذا تحقيق وعده الكامل للإنسانية، علينا العمل بإنسانية. أعتقد أن ذلك يتطلب منا أسلوباً جديداً ثلاثي الأبعاد. علينا استلهام الماضي، إلى أعظم تقاليد حضاراتنا - تقاليد التعاطف، والحرية، والمنطق. وعلينا التطلع إلى المستقبل بنفاذ بصيرة وبالقدرات الجديدة المتاحة التي تحسن حياة الملايين من المحتاجين. وعلى كل منا مد يد العون للآخر، لإيجاد مجتمع دولي يعمه الاحترام والحوار، مجتمع شراكة، وإنفتاح ما بين الثقافات.
هذه مسؤولية يأخذها الأردن بجدية تامة. لقد مد بلدنا الصغير يده مقدماً المساعدة لمجتمع أصدقاء السلام على نطاق عالمي. نحن نعتز جداً بتراثنا العربي والإسلامي - وهو في مضمونه الحقيقي ، تراث يقوم على الإيمان، والتسامح والتنوع. ونبني على هذه الأسس، ونتحرك قدماً، بعملية ديناميكية من الإصلاح الداخلي، التنمية الإقليمية، ومبادرات نمو السلام.
هدفنا الأساسي، هو تحقيق مجتمع يمكّن أفراده، ويتيح الفرص للجميع. ويعني هذا مجتمعاً مدنياً ديمقراطياً شاملاً، يوفر الأمل الحقيقي والحلول الحقيقية - الاستقرار السياسي والاقتصادي، النمو الاقتصادي، وتعزيز القدرات الإجتماعية الحقيقية.
يعتمد النموذج الأردني على قدرات مجتمعنا، وعلى قيمه وتاريخه.. فيما يمد يده ساعياً للفرص العالمية. ونعتقد أن بإمكان مثل هذا النموذج أن يكون مساراً فعالاً نحو الديمقراطية والإزدهار، في منطقة كلت من الطرق المسدودة واليأس.
ويحفز الشباب الأردني تصورنا، فهم الأغلبية العظمى من شعبي، إذ أن ثلاثة تقريباً من كل خمسة أردنيين في الخامسة والعشرين من العمر أو دونه. شبابنا يمدون مجتمعنا بالطاقة، ويلهموننا بمشاعرهم ومثاليتهم، ويثرون تواضعنا بتوقعاتهم. يريدون الحصول على الفرص، ومجتمعاً مدنياً حديثاً يحترم حقوق الرجال والنساء. إنهم يصلون من أجل السلام، ويتحدون العقبات. ويسألون.. إلى متى ستحرم فلسطين من العدالة؟
قبل أسبوعين، هنا في باريس، شارك بعض هؤلاء الشباب الأردنيين، في مؤتمر للبنك الدولي حول الشباب، والتنمية والسلام. يمثلون سبعين بلداً، من حضارات ووجهات نظر مختلفة. وقد أبلغني جيم ولفنسون مؤخراً أن هؤلاء الشباب تساءلوا لماذا لا يقدر من يكبرونهم سناً على الإلتقاء بذات الروح من الاحترام المتبادل!
أصدقائي الأعزاء
دعوني أؤكد لكم أننا نصغي لصوت العقل الذي يصدر عن قلوب وأرواح الشباب الأردني والعقول العربية.
يقول البعض أن علينا إيجاد غد أفضل لشبابنا. أما أنا فأقول، علينا إيجاد حاضر أفضل. ويجب أن يبدأ هذا بإيجاد حلول لأكثر مشاكلنا إلحاحاً ومركزية. إن الركود في الشرق الأوسط، التطرف حول العالم - ناتجان عن صراع محوري مستمر منذ أمد طويل جداً. ومن غير الممكن تحفيز الاعتدال وتطبيق الإصلاح بينما يستمر هذا النزاع. أصدقائي، على المجتمع الدولي أن يتولى بنفسه الآن حل النزاع العربي الإسرائيلي.
يشعر الأردنيون إزاء قضية السلام، بمسؤولية خاصة. فمن أرضنا، من المشرق، انبثق الإيمان بالله الواحد - الإيمان الموحد باليهودية والمسيحية والإسلام.. وتجذر فيه وانتشر في العالم. ونحن اليوم نؤمن أيضاً بقدرة هذه الأرض على أن تكون مهداً لتسامح وأمل جديدين.
قبل أقل من أربعة أشهر في العقبة، أكد الفلسطينيون والإسرائيليون نيتهم الصادقة لانتهاج طريق السلام، فقد أقر المجتمع الدولي خارطة الطريق. فخارطة الطريق توفر للإسرائيليين ضمانات أمنية جماعية من العرب كافة؛ معاهدة سلام وعلاقات طبيعية مع الدول العربية، ونهاية للصراع، وهي تقدم للفلسطينيين، نهاية للاحتلال، دولة قابلة للحياة ومستقلة بحلول عام 2005، ووعد لهم كي يعيشوا كشعب حر مزدهر.
يجب أن تطبق خارطة الطريق الآن ويتطلب تحقيق هذا أكثر من الكلمات والأماني. إنه يتطلب التزاماً حقيقياً، من المجتمع الدولي إضافة إلى الأطراف، التزام يختبر قياداتنا، وقدراتنا، وأجل، يختبر أعمق مبادئنا الأخلاقية. يجب أن لا تكون هناك فرص أخرى ضائعة.
إن التحدي عظيم لكن فوائد السلام ستكون أعظم - للشرق الأوسط وللعالم. وكما قيل وفي هذا حق، "إذا كان للسلام ثمن، فإنه أيضاً لا يقدر بثمن".
أصدقائي
نحن نؤمن أن لأبناء العالم حاجة مشتركة وهدفاً مشتركا: صنع مستقبل آمن، ومستقبل أفضل، اعتباراً من يومنا الراهن. لا زال في العالم كثير من الناس المحتاجين وكثير من الناس الذين لا تتاح لهم الفرص، والشباب الذين يواجهون حقائق قاسية هم في تزايد اليوم.
إننا اليوم، نقف في مستهل عصر جديد، نواجه تحدي الاستفادة من دروس الماضي لصنع مستقبل جديد. لقد رأينا خطر ودمار العنف، والكره والظلم. لكننا رأينا كذلك كيف يتمكن الناس من الإنجاز عندما يمكنون، وعندما يتواصلون، ويمارسون إبداعاتهم، ويبنون المعرفة ويتفاعلون مع الآخرين.
لقد اعتمدنا هذا النهج الإيجابي في الأردن. ونحن كشعب، نعيش تراثنا، تراث زاخر بالإيمان العميق واحترام التنوع. ونحن كمجتمع نستثمر في التعليم، والتقنية، والبنية التحتية المطلوبة للنجاح في اقتصاد عالمي. ونحن كدولة نقبل المجازفة والمسؤولية لتمكين مواطنينا، والعمل ضد الإرهاب والسعي للسلام.
إن التحديات التي نواجهها حقيقية. إنها تتمثل في بناء مجتمع قادر على تحقيق التنمية السياسية، الازدهار الاقتصادي، والثراء الثقافي لأفراده. وتتمثل أيضاً في إيصال منافع التقنيات الحديثة لأولئك الأقل حظاً، والوفاء بوعد السلام وتحقيق الأمن لضحايا النزاع والعنف.
إنه تحد يتطلب من قادة المجتمع الذين يتحلون بالشجاعة والحكمة....أن يصغوا، ويستجيبوا وأكثر من هذا وذاك، أن يعملوا. أطفالنا يطالبوننا بأن نحقق شيئاً مميزاً، بأن تكون لدينا الشجاعة لصنع ما هو مختلف، والعمل على تحقيقه. أعتقد أننا قادرون على هذا - وأننا معاً، سننجح.
أشكركم جزيل الشكر،،