خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في المجلس الهندي للشؤون الدولية
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد المدير العام ، تلميذ أحمد،
أصدقائي،
أشكركم جزيل الشكر. ويسعدني أن أكون هنا اليوم. فقبل خمس سنوات نظر برلمانكم للمجلسَ الهندي للشؤون الدولية على أنه "مؤسسة ذات أهمية وطنية". وبالنسبة لأصدقاء الهند في أرجاء العالم، فإنه يعد أيضاً مؤسسةً ذات أهمية عالمية.
أصدقائي
إننا نعيش فترةً حرجة في التاريخ الإنساني. ولكن بالنسبة للبلدان النامية، هناك فرص بالغة الأهمية أيضاً. فالنماذج الجديدة للنجاح الاقتصادي، والأنماط الجديدة للتجارة، تعمل جميعها على إحداث تحوّل في الاقتصاد العالمي. والاستراتيجيات الإبداعية والتحالفات من أجل التنمية تثمر نتائجَ وآمالاً جديدة. إن بلدينا يواجهان تحدّيات أمنية حقيقية، ويحظيان في الوقت ذاته بتقدير متزايد لاهتمامنا المشترك في التعاون والسلام.
لقد شكلّت الإمبراطوريات العالمية في القرن العشرين المستقبلَ للبلدان النامية. ولكننا، في القرن الحادي والعشرين، نعمل بصورة متزايدة على تشكيل مستقبلنا ومستقبل المجتمعات المتقدمة أيضاً.
وليس هناك من مثال أفضل على هذا كله من الهند نفسها. فبلدكم كان في واجهة العالم المتعدد المحاور الناشئ. وأنتم تساهمون في تحديد المعايير العالمية للإبداع، والتميّز، والفكر الخلاّق - من الجامعات والمعاهد الفنية، إلى النجاحات في مجال الأعمال التي تحظى بدرجة عالية من الإعجاب، إلى المبادرات الفعّالة مثل الحكومة الإلكترونية، وغيرها الكثير. وفي مجال الاقتصاد، أدت الإصلاحات والإنجازات إلى تحقيق نموّ اقتصادي وتأثير عالمي مُلْفتين للنظر. وفي المجتمع الدولي، كانت الهند ممن رفعوا الصوت بقوة من أجل إصلاح الأمم المتحدة، للتأكيد على ضرورة أن تعكس هذه المؤسسة العالمية المركزية الوقائعَ الجديدة في هذا الكون.
واسمحوا لي أن أقول كلمة حول روابطنا الاقتصادية. فالتجارة بين الدول النامية، في أيامنا هذه، تشكّل نسبة مئوية ذات شأن في التجارة العالمية. إذ تتزايد، يوماً عن يوم، روابط الشراكة بيننا: فحوالي أربعين في المائة من تجارة العالم الثالث العالمية تتم بين بلداننا ذاتها. وتعد هذه التجارة والتدفقات المالية عاملٌ مهم في التنمية والتغيير الإيجابي؛ فهي تخلق أسواقاً جديدة ، تسهم في الاستقرار الاقتصادي العالمي. وكل هذا يساعدنا على تركيز اهتمامنا على هموم العالم النامي، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى الأسواق، وتخفيف عِبْء الدَين، وتوفير الموارد للتنمية.
وقد عمل الأردن على جمع مجموعة رئيسية من البلدان في معظمها من فئة الدول ذات الدخل المتوسط - المتدنّي، وهي مجموعة الدول الإحدى عشرة. وتؤمن الدول الأعضاء في هذه المجموعة في اتخاذ الخطوات الضرورية لإحلال التنمية المستدامة، وهي تحقّق مكاسب تنموية تحويلية تساعدنا في جلب الاستقرار لاقتصادياتنا على المستويات العليا والإسهام في نجاحنا في الاستقرار الإقليمي والعالمي. ولا بدَّ هنا من وجود التزام عالمي متواصل لاستدامة التقدّم. وستعمل الدول الإحدى عشرة معاً، ومع البلدان الأخرى، لحشد الاعتراف والدعم الدوليين.
إن الشراكات الثنائية بالغة الأهمية أيضاً، وخاصة في تسخير قوة القطاع الخاص من أجل النمو والتنمية. والحقيقة التي لا مراءَ فيها هي أنه يتعين على بلداننا فتح الباب أمام فرص جديدة، إذا ما أردنا أن نزدهر ونعيش بأمان. ولدى الأردن إستراتيجية وطنية شاملة لتنمية الفرص. وقد استثمرنا بقوة في التعليم لنوفر لشبابنا وشاباتنا مهارات القرن الحادي والعشرين التي يحتاجونها. ويعمل استقرارنا السياسي على إيجاد بيئة قوية للنشاط الاقتصادي. أما النموّ ذو التوجه التصديري فيحظى بالدعم من خلال المناطق الاقتصادية الخاصة، ومبادرات أخرى. وكما يعلم الكثيرون منكم، يوفر الأردن، وهو عضو في منظمة التجارة العالمية منذ عام 2000، إمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية، من خلال اتفاقيات التجارة الحرّة، وخاصة تلك التي عقدناها مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
واسمحوا لي أن أقول إنني ملتزم بالفرص التي يستفيد منها جميع الأردنيين وشركاؤنا العالميون. وأنا حريص بصورة خاصة على تطوير أشكال تعاوننا مع الهند لكي تنمو بسرعة وآمل أن تواصل نموّها. وهناك فرص عظيمة للمشروعات والأعمال المشتركة وأوجه التعاون الأخرى في المجالات الرئيسية، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والأدوية.
وهناك مجال أساسي أخر للتعاون لا غنى عنه، وهو التفاهم الثقافي والتفاهم ما بين الأديان حيث يجمع الهند والعالم العربي روابط تاريخية. فقد تفاعلت حضاراتنا على مدى آلاف السنين. وفي الهند مجتمع إسلامي تاريخي ذو أهمية. وبلدانا يعلمان أن مستقبل هذا العالم يعتمد على الاحترام بين الأديان، والعدالة بين الشعوب.
إن الأردن ملتزم بالحوار العالمي وبالعمل على إبقاء الجسور مفتوحة، وتعزيز التفاهم والتعايش. وأدياننا الرئيسية تشترك في القيم الاجتماعية الأساسية المحورية، بما في ذلك احترام الآخرين. وقد استعرضت رسالة عمّان - التي حظيت بدعم العلماء والزعماء المسلمين من مختلف أرجاء العالم - تعاليم الإسلام حول الاعتدال، والتسامح، والرحمة، والمودة. وهذه هي التعاليم ذاتها التي تشكّل الأساس الذي يقوم عليه التزام الأردن، باعتباره دولة إسلامية من خلال تأكيد الاحترام بين جميع المواطنين، من المسلمين ومن غير المسلمين.
كما أن القيم والمصالح التي نشترك فيها تدعونا أيضاً إلى العمل معاً من أجل السلام والأمن. فالنزاعات المتواصلة في منطقتنا ليست مصدر مأساة إنسانية لا نهاية لها فحسب، بل هي أيضاً بؤر تفريخ للتطرّف والإرهاب، انتشرت في أرجاء العالم وهدّدت الأمن العالمي.
إن النزاع الرئيسي المحوري في منطقتنا يُؤجّج نارَه إنكارُ حقوق الفلسطينيين وسيادتهم. وهذه الأزمة المتواصلة تقف وراء ما نشهده من معاناة وعنف هائلين. وهي تسهم، في أيامنا هذه، في إيجاد حالة من عدم الاستقرار الإقليمي تزداد تعمّقاً. لقد غدا العنف والنزاع نموذجين معياريين يشكّلان صورة المنطقة. وهما يتواتران ويتنامى أثرهما التدميري بصورة متزايدة.
علينا أن نعكس سَيْر هذا التوجّه الخطر. كما علينا أن نعيد بناء الثقة في السلام. وهذا هو ما تهدف إليه مبادرة السلام العربية. فهي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ذات سيادة لفسح المجال لإحلال سلام إقليمي شامل، بما في ذلك علاقات طبيعية كاملة وضمانات أمنية، بين جميع الدول العربية وإسرائيل.
وحتى نصل إلى هذا الهدف، يجب أولاً إعادة الثقة. وهذا يعني تحقيق نتائج على الأرض، توفر العون لضحايا العنف والاحتلال. وتعني إعطاء الفلسطينيين والإسرائيليين أفقاً سياسياً يمنحهم الأمل في التغلّب على تشككّهم وخوفهم. وهذا كله يحتاج إلى دعم من الدول العربية، ورباعية الدول الرئيسية، والدول التي تتولى زمام القيادة مثل دولتكم. والتأخير والإخفاق سيكون لهما نتائج لا يمكن تصوّرها على جميع بلداننا. والنجاح ستكون له مزاياه العالمية، إحداها إغلاق منفذ يتيح الفرصة للمتطرفين للدخول منه.
وهذا الأمر له أهمية بصورة خاصة عندما نتأمل الوضع المتأزم في العراق. فهذه الأزمة، أيضاً، تدعو بإلحاح إلى ضرورة وجود تعاون دولي - لتأمين استقرار البلاد، وإشراك جميع قطاعات المجتمع في العملية السياسية، وإعادة بناء العراق ذي السيادة، الموحّد، المستقر.
كما أن الأردن يأمل في أن تتمكن الهند وباكستان من التوصّل إلى حلّ سلمي لمشكلة جامو وكشمير، يُهيّئ شعب المنطقة للعيش بسلام تستحقه بحقّ.
أصدقائي،
في عالم اليوم، هناك حقيقة واضحة بصورة كبيرة، فليس هناك دولة معزولة عن مشكلات نظامنا العالمي... ولهذا، فعلى كل دولة أن تشارك في تقدّمه. أما القرن الذي نعيش فيه فهو يوفّر إمكانات هائلة لإيجاد مستقبل أفضل - لتوسيع آفاق التنمية؛ ولإنهاء النزاعات المدمّرة؛ ولتوفير الفرص لجيل جديد يحتاجها. ومع ذلك، فلكي نسير قُدُماً، فإننا بحاجة إلى مشاركة الناس من مختلف قطاعات المجتمع وفي مختلف أرجاء العالم - قادة الأعمال، والحكومة، والمجتمع المدني في الشرق كما في الغرب، وفي الجنوب كما في الشمال. لقد ضربت الهند مثالاً على تمكين الأقلّ حظاً وتوفير المجال لقيام حاكمية القواعد الشعبية والتنمية وقدّمت للناس الأدوات لبناء حياتهم وتشكيلها. وغدت أُنموذجاً يُحتذى للإبداع والتحوّل الإيجابي السريع.
وفي الأردن، كما هو الحال هنا في الهند، قابلت رجالاً ونساء من أصحاب الرؤية الذين يؤمنون بقدرتنا على إحداث التغيير الإيجابي. لذلك، فنحن بالحاجة للعمل معا حيث يكمن نجاحنا في ذلك.
وأشكركم شكراً جزيلاً.